الأمازيغية في المغرب: بين تقاعس اليسار وصعود التطرف
تعتبر القضية الأمازيغية في المغرب من القضايا الوطنية الحساسة التي ترتبط بالهوية الثقافية واللغوية لجزء كبير من الشعب المغربي على مدى عقود، سعت الحركة الأمازيغية إلى تحقيق الاعتراف الكامل بالهوية واللغة الأمازيغية، وتعزيز التراث الثقافي الأمازيغي في مواجهة التهميش الذي تعرضت له هذه الهوية في اغلب الفترات.
ومن الملاحظ أن أحزاب اليسار المغربي التي من المفترض أن تكون حامية للحقوق الثقافية واللغوية للمكونات المجتمعية المختلفة، لم تولِ القضية الأمازيغية الاهتمام اللازم. ورغم أن هذه الأحزاب ترفع شعارات العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، إلا أنها لم تتخذ خطوات فعالة لدعم القضية الأمازيغية بالشكل المطلوب.
يمكن تفسير هذا التقاعس بعدة أسباب:
– الأولويات السياسية: غالبًا ما تركز أحزاب اليسار على القضايا الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة والفقر وعدم المساواة، وتعتبر القضايا الثقافية واللغوية الكبرى ثانوية.
– الحسابات الانتخابية: ربما تخشى بعض أحزاب اليسار من فقدان دعم شرائح معينة من الناخبين إذا أعطت أولوية كبيرة للقضية الأمازيغية، مما يؤدي إلى تجاهل هذه القضية، لكن في نفس الوقت نجدها تتسابق نحو تبني قضايا أخرى اجنبية وتترك القضايا الوطنية والمصيرية في يد تيارات الاسلام السياسي.
– التقليدية والتردد: بعض الأحزاب اليسارية قد تكون محافظة في توجهاتها الثقافية والايديولوجية وتفضل الحفاظ على الوضع القائم بدلاً من الدفع باتجاه تغييرات جوهرية قد تثير الجدل.
في المقابل، استغلت التيارات الإسلاموية المتطرفة، بمختلف تلاوينها، هذا الفراغ لتشن حربًا شعواء على التقاليد الأمازيغية، ترى هذه التيارات في الأمازيغية وتقاليدها تهديدًا لمشروعها الإيديولوجي الذي يسعى إلى فرض نموذج ثقافي وديني أحادي.
من أبرز هذه الهجمات نجد:
– محاربة المظاهر الثقافية الأمازيغية: مثل الهجوم على احتفالات “بوجلود” أو “بيلماون”، وهي تقاليد ثقافية ضاربة في القدم وتعد جزءًا من التراث الأمازيغي.
– التشكيك في الهوية الأمازيغية: الترويج لفكرة أن الهوية الأمازيغية تتعارض مع الإسلام كدين، مما يعزز الانقسام والتفرقة داخل المجتمع.
– التقليل من أهمية اللغة الأمازيغية: الدعوة إلى التركيز فقط على اللغة العربية والإسلام كأداتين أساسيتين للهوية الوطنية.
ونتيجة لذلك، أدى هذا التقاعس من قبل أحزاب اليسار إلى ترك المجال مفتوحًا للتيارات الإسلامية المتطرفة لتعمل بحرية أكبر ضد التقاليد الأمازيغية الوطنية. هذا الوضع يعزز الاستقطاب المجتمعي ويفرض تحديات كبيرة على السلم الاجتماعي والتعايش الثقافي في المغرب.
ومن وجهة نظري ارى ان المغرب يحتاج إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع القضية الأمازيغية بشكل يعزز الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي، فمن الضروري أن تقوم الأحزاب اليسارية بدورها في حماية حقوق جميع المكونات المجتمعية بما في ذلك الأمازيغ، او حل هذه الاحزاب التي اصبحت تؤثث المشهد السياسي المغربي فقط، ولم تعد تمثل الشعب وحقوقه بما فيها الثقافية والهوياتية.
كما ان الدولة ايضا مطالبة بالعمل على التصدي للتطرف بكافة أشكاله، والعمل على الاعتراف الكامل بالتنوع واحترامه، وهو ما يضمن للمغرب أن يبني مستقبلًا مستدامًا وعادلًا لجميع مواطنيه.
اسامة لمين ناشط امازيغي حقوقي سياسي