الأمازيغية : إقصاء في زمن الوباء


اتضح من خلال الانزال الاعلامي الكثيف لوسائل الاعلام المغربية، العمومية والخاصة، السمعية البصرية، والاذاعية والالكترونية، أثتاء غمار المواجهة الشاملة التي دخل فيها المغرب، حكومة وشعبا، ضد فيروس كوفيد 19 كورونا، الذي تحول إلى وباء عالمي يجتاح كل الأقطار والأمصار، وينتشر بسرعة هائلة وسريعة.
وسائل الاعلام العمومية والخصوصية المغربية، وهي منخرطة، افقيا وعموديا، في التوعية بمخاطر هذا المرض، وشرح مدى خطورته لعموم الناس، وكذلك تبسيط نصائح الوقاية لكافة فئات الشعب، ثم شرح وتفسير حزمة وسلسلة الاجراءات والتدابير التي اتخذتها الدولة للحد من سرعة انتشار الفيروس وانتقاله داخل المجتمع وداخل مختلف المؤسسات والادارات والفضاءات العمومية والخاصة.

اتضح من خلال كل ذلك؛ أن وسائل الاعلام نهجت سياسة تواصلية اقصائية وأحادية، عبر الارتكاز بشكل أساسي وكبير على اللغة العربية، وفي الغالب تستعمل لغة عربية فصيحة، لا تؤدي الرسالة التواصلية كما يجب، لأن أغلبية الشعب لا يفهمون ولا يستعملون اللغة العربية الفصحى، التي تبقى لغة الدولة وليست لغة الشعب، وتهمش بقصد استعمال اللغة الامازيغية، التي يتواصل بها اغلبية الشعب في مناطق متعددة حسب تعبيرات جهوية. فمهما حاولت هذه القنوات والاذاعات ايصال الخطاب والمعطيات الى المواطنين فانها تفشل في ذلك بسبب طبيعة اللغة المستعملة الحاملة للعديد من الكلمات والمفردات غير المفهومة بالرغم من تعريبها، ليبقى خطاب التلفزيون خطابا جافا، ولم تنجح وسائل الاعلام من تقدير المرحلة الحرجة التي يمر بها البلد، وطبيعة السياق، الذي يفرض التعئبة الشاملة والسرعة في ايصال الخطاب والرسالة والنصيحة، وتبسيط الاجراءات الوقائية، فبقيت لغة الاعلام هي نفسها لغة الدولة الرسمية التي تقدم الخبر الرسمي للدولة بلغة استعلائية ذات سلطة وبيروقراطية، وهي لغة تستعملها الدولة المغربية لفرض نوع من الهيبة والقداسة على الخطاب الرسمي، وهو ما يفسر التباعد والتنافر البين بين لغة الخطاب الرسمي، لغة السلطان والدواوين، العربية الفصحى، ولغة الشارع والشعب والحومة والقرية والجبل والسهل، وهي لغات بسيطة وحيوية وعفوية وجذابة، سواء تعلق الامر بالدارجة أو الأمازيغية، فكلها لغات تتبلور من الأسفل، وتوحي بالقرب والتفاعل بين الناس.

وبالرغم من ان اغلب المغاربة لا يفهمون العربية خاصة في القرى والبوادي وفي بعض المدن، فانهم لم يستوعبوا أخبار الفيروس جيدا، وحرموا من الحق في المعلومة والاخبار، حول طرق الوقاية ومعطيات تطور المرض، وخصوصياته، وأيضا حول الاجراءات المتخذة بشأنه من قبل الحكومة.
كما لاتزال، الادارات الحكومية المختصة، لاسيما وزارة الصحة تحديدا، ووزارة التربية الوطنية وغيرها، تتعامل بمنطق عتيق سابق لدستور 2011، فكل الندوات الصحفية التي قدمها مدير الأوبئة بخصوص تطور انتشار فيروس كورونا بالمغرب، يجب أن تكون بالعربية والامازيغية، في حالة ما كانت الحكومة المغربية تحترم نفسها، وتنسجم الدستور الذي تشتغل به ويؤطر نظيمة عملها. يعني لسنا في حاجة إلى تذكير الحكومة في كل مرة ومناسبة بضرورة احترام الدستور، واحترام حقوق الامازيغ في هذا الوطن العزيز الذي يسير في مسلسل ارساء قواعد التعددية والمساواة، بين اللغات والثقافات، وعدم التمميز بين المواطنين بسبب العرق أو اللغة أو الدين.

وقد ظهر ضعفا كبيرا وارتباكا واضحا في لغة التواصل مع المغاربة في ظل هذا الوباء، على سبيل المثال، خلال نشرة اخبارية مطولة في احدى القنوات التفزية، شارك فيها مدير مركزي بوزارة التربية الوطنية، كان بصدد اعطاء توضيحات بشأن خطة الوزارة فيما بات يسمى بالتدريس عن بعد، حيث استعمل المدير عُدةً مفاهيمية فيها مصطلحات مترجمة لتقنيات وأجهزة الكترونية جديدة نوعا ما على الوسط التربوي، كحديثه مثلا عن “المنصة الرقمية”، تسأله مقدمة الأخبار بالعربية الفصحى، فيصاب المدير ب”دوخة تعبيرية”، ان صح التعبير، يبدأ بالعربية الفصحى ثم ينطق بكلمات فرنسية، ثم يريد أن يشرح بالدارجة، والخلاصة، هي أن لا رجال التعليم ونسائه، فهموا المقصود، ولا الأسر والآباء فهموا ونفس الامر لدى التلاميذ. ليس لأن المسؤول لا يتوفر على معطيات وايضاحات، ولكنه وجد صعوبات في التواصل، ولم يعرف بأية لغة سيتحدث، لأن النشرة الاخبارية، كانت بلغة عربية فصيحة ولغة فرنسية، بحكم وجود مقدمتين على نفس البلاطو. وكان من المفروض أن تجلس معهما مقدمة أو مقدم يقدم الأخبار بالامازيغية.

فاذا كان من الواجب على الحكومة المغربية الاشتغال بمنطق الحق، فان الأمازيغ انتظروا وقتا طويلا لكي يتمتعوا بكافة حقوقهم، وأن يشعروا بالفعل أنهم في وطن مشترك، ولهم مصير مشترك. ولذلك، فإنه لم يعد هنالك أي مجال للانتظار، بعد المصادقة على جميع القوانين التنظيمية لتفعيل طابع ترسيم الأمازيغية. وتبدأ الحكومة من نفسها وتطبق الدستور، وأهم شيء في النهوض باالامازيغية هو التواصل بها رسميا ومؤسساتيا، ليس المطالبة بوزير اتصال والناطق الرسمي بأن يكون أمازيغيا، ولكن على الاقل كل يوم خميس وهو يقدم خطابه وندوته الصحفية، عقب كل مجلس حكومي، ان تكون ترجمة بالأمازيغية.

لكن وبالمقابل، يلاحظ أن الحكومة ومعها الاحزاب، حين يتعلق الأمر بالانتخابات مثلا، ودعوة المواطنين إلى التصويت، أول الوصلات الاعلانية والدعائية، تكون بالامازيغية بكل تعبيرتها، لان الدولة ومعها الاحزاب، تشتغل بمنطق قديم يجعل من الامازيغ خزانا انتخابيا كبيرا، فالامازيغ في الجبال والسهول والواحات، فدورهم الوحيد هو ان يصوتوا ويملأوا صناديق الاقتراع بالاصوات، لصالح نخبة الرباط وفاس لكي يتحكم. هذه العلاقة الملتبسة تجر في طياتها جروحا غائرة، في التاريخ والذاكرة، حاولت الحركة الامازيغية خلال عقود أن تقوم بتضميد هذه الجراح وتداويها بضرورة سن سياسة الانصاف والعدالة المجالية والثقافية، لكن بالرغم من مجهود كبير في الاعتراف بالامازيغية إلا ان الحكومة لا تزال تنظر إلى الامازيغية بنوع من الاستعلاء، وبمنطق الدولة المركزية لما بعد الاستقلال، وبنوع من الحكرة، وما الوصلة المؤسساستية لوزارة الخارجية للاحتفال بعيد النساء، لدليل قاطع على ما نقول، حيث الحكومة تشتغل مع الامازيغ بنظرية ” الحاكم والخادم”.
نتمنى أن ينجو بلدنا من كل وباء وخطر، وان يحفظه الله من كل المحن.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments