الدولة الأمازيغية بين العصبية والدعوة


طرح الصديق احمد الخنبوبي تدوينة على صفحته، حول الشيخ الراحل عبدالسلام ياسين متحدثا عن أصله واقامته الجبرية، وتفاعلت مع تدوينته بتعليق عفوي يحمل بنات أفكار في موضوع آخر كبير ومتشعب، لا علاقة له بجماعة الشيخ ياسين، وإنما يتعلق بالامازيغ والصراع السياسي والديني فيما بينهم وبين المخزن. وهذا الموضوع متشعب اصنفه ضمن ما أسميه بالانثروبولوجيا السياسية الأمازيغية. وقد عنونت هذا التعليق بالدولة الأمازيغية بين العصبية والدعوة، كمدخل لفهم طبيعة الصراع الديني والسياسي في المغرب حاليا، وبالاخص الصراع حول المشروعية الدينية. وهذا نص التعليق.

ينحدر الشيخ ياسين من أسرة الشيخ المزار سيدي سليمان دفين أباينو المحسوبة على قبائل أيت باعمران، احدى بطون لمطة سابقا، ولمطة قبيلة امازيغية كان لها تاريخ زاخر وزاهر للاسف تبخر بفعل تحولات التاريخ التي اهتزت بهزات اجتماعية وثقافية كبرى منذ اجتياح قبائل البدو لبلاد المغرب وأمصاره ابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي، وقبيلة لمطة وان كانت ذات اصل صحراوي فإنها انتشرت في مناطق متفرقة في المغرب، وادنون حاليا، بين مراكش وأم الربيع( انظر الشريف الادريسي) ثم بضواحي فاس، واشتهرت بعاصمتها نول لمطة، بواحة أسرير حاليا ضواحي أكلميم وكانت نول لمطة عاصمة دولة المرابطين وسكت بها آخر عملتهم النقدية بعد سقوط دولتهم ودخول الموحدون إلى مراكش، ( هذه العملة توجد بالمتحف الجزائر العاصمة)، من اعلام التاريخية والعلمية للمطة نجد ابوعمران الفاسي شيخ القيروان وشيخ سيدي وݣاݣ بن أزلو دفين أݣلو وهما المؤسسان الفعليان لايديولوجية دولة المرابطين المتمثلة في المذهب المالكي، وهو المذهب الذي لايزال المذهب الرسمي للدولة المغربية. وتوحيد المذهب كلف المرابطون وصنهاجة الصحراء حروبا كثيرة جدا، ذهب ضحيتها الشيخ المؤسس ‘عبدالله بن ياسين” الجزولي.

إذا جاز لنا القول فيمكن إعادة قراءة مسار عبدالسلام ياسين قراءة انثروبولوجية وتاريخية بعيدا عن فكر وسياسة وتوجهات الجماعة التي أسسها الشيخ ياسين ووضع لها منهاجا كما يسميه. فإن ياسين قد تأثر كثيرا بتجربة العالم الحسن اليوسي توفي سنة 1691 وهو من قبيلة أيت يوسي التي تنتمي إلى اتحادية ايت ايدراسن التي تنتمي إلى صنهاجة، وسلك الشيخ ياسين مسلك اليوسي، واقتبس منه منهاجه في محاورة العالم للسلطان، فإن اليوسي كما هو معروف راسل في الرسالة الكبرى السلطان مولاي اسماعيل من باب تقديم النصيحة للسلطان.(انظر جاك بيرك)
وكان بينهما حديث ووقائع وحوار طويل ليس هذا محل الخوض فيه، وإنما نريد ان نلفت الانتباه إلى أن الشيخ ياسين قام بمحاكاة اليوسي في الرسالة الأولى التي بعثها الى الملك الراحل الحسن الثاني بعنوان “الاسلام والطوفان” ثم برسالة أخرى إلى من بهمه الأمر. ويشترك اليوسي وياسين في كثير من الامور في التربية الصوفية والتأليف….

ومعروف أن اليوسي ينتمي إلى زاوية الدلائيين وبقي ملتزما بها إلى أن توفي، وهذه الزاوية كانت لها إمارة سياسية مهمة وشهدت صراعات وحروب كثيرة مع العلويين في بداية أمرهم…(انظر محمد حجي) انتهى الامر بتخريبها.
الزاوية الدلائية هم صنهاجة بطن إمجاض ولاتزال بعض ملامح امارتهم بادية في ضواحي مكناس باسم مجاط، هؤلاء إمجاض من الجنوب اي من صنهاجة الرمال او صنهاجة الصحراء،( يقول البعض انهم نزحوا من ملوية) ويفترض انهم ينتمون إلى إحدى بطون صنهاجة الكبرى كلمتونة ومسوفة ولمطة او هي تحالف سياسي مزج بين قبائل صنهاجة الصحراء الذين بقوا في المغرب الشمالي وتخوم الصحراء بعد تفكك دولة المرابطون. كما هو معروف ان الأطلس المتوسط تقطنه مجموعات تنتمي إلى صنهاجة..

واذا ما تمعنا النظر بدقة فإن هؤلاء الصناهجة (بتعبير ابن الخطيب) يزاوجون دائما بين الزاوية والامارة، تيمنا بالنموذج المرابطي في تأسيس الدولة، وبتعبير ابن خلدون هو تكامل بين (الدعوة الدينية والعصبية القبلية) حسب تعبيره فالعصبية الأمازيغية تحتاج إلى دعوة دينية لتحقيق الغلبة والدولة. إلى جانب نموذج المرابطون ومن تبعهم، فقد ظهر ذلك بشكل ملفت في نموذج الدولة السعدية التي تأسست عن طريق التحالف بين الطريقة الجزولية والعصبية الصنهاجية المتمثلة في جزولة، ثم إمارة الدلائيين بين الزاوية الدلائية والعصبية الصنهاجية بطن إمجاض/ مجاط، ثم مملكة تازروالت (جوستينار وباسكون)، بين الزاوية السملالية وعصبية صنهاجة المتمثلة في جزولة، فخذ ايداوسملال.

وإذا تتبعنا جيدا مسار ومصير صنهاجة منذ اندحار دولتهم أمام مصامدة الموحدين، فإنهم عاودوا عدة مشاريع سياسية في عمق الصحراء وفي جنوب المغرب، بنفس الميكانيزم، أي تغليف المشروع السياسي بالطريقة الصوفية والرباط، ويمكن اضافة تجربة احمد الهيبة في هذا السياق، انطلقت في البداية بزاوية ماء العنينين، ولم تتطور إلى حركة سياسية إلا بعد استقرار الشيخ بمدينة تزنيت والتفنت حوله عصبيات سوس خاصة عصبية جزولة. دون أن ننسى عنصر الشرف بعد أن ورط المرينيون باقي العصبيات الأمازيغية، في ادخال عنصر الشرف في المشروعية السياسية، وهذا يظهر بشكل كبير في منازعة الدلائيين والسملاليين للعلويين في النسب الشريف، ونفس الشيء استعمله الشيخ ياسين في قولته المشهورة أنا “بربري شريف”. وتجدر الإشارة إلى أن عبدالسلام ياسين كان في البداية ينتمي إلى الزاوية البوتشيشية ومعروف انه عاش مشاكل مع شيخه، لأنه كان يعول على الزاوية في قيام مشروعه السياسي وعندما فشل في ذلك اتجه إلى تأسيس مشروعه الخاص.

هذه خطاطة نقترحها لإعادة قراءة الصراع السياسي والديني في المغرب الراهن، من وجهة نظر يغفلها أغلب الباحثين في التاريخ والانثروبولوجيا وعلم السياسة، لاسباب كثيرة…ويمكن الفيض في مناقشتها بالتفصيل حين تكون الظروف مناسبة لذلك..


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments