جذور الحقد والضغينة في مقال بنسالم حميش


كتب السيد بنسالم حميش مقالا بعنوان “جذور القرابة بين الأمازيغية و العربية” تناول فيه موضوعين أساسيين لا يرتبطان بالعنوان لا من قريب و لا من بعيد. اقتصر في ما كتبه على فقرة قصيرة مر على بعض الكلمات مر الكرام ليصل إلى ما أراد الوصول إليه و يتعلق الأمر بطعن الأمازيغية و محاولة… . و قد سلك في نهجه هذا سبيلا وعرا ملتويا و توسل أنصاف شهادات و التجأ إلى من يكنون العداء للأمازيغية من أجل دعم أطروحته و مزاعمه.

فاستشهد بعثمان السعدي من الجزائر وربطه عن سوء نية بالمناضل سعيد السعدي و كتب  ” وهو أمازيغي كالقبايلي سعيد السعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة و الديموفراطية ” فمن يكون هذا الرجل الذي استشهد به من كان المغاربة ينتظرون منه تنمية ثقافة بلادهم؟ 

 عتمان السعدي رئيس الجمعية الجزائرية لحماية اللغة العربية ورئيس الهيئة الديبلوماسية الجزائرية بالكويت و سفير الجزائر في دمشق وبغداد. كرس كل مجهوداته للحفاظ على اللغة العربية في الجزائر.

أما عن كونه أمازيغيا من القبائل فعدد البرابرة المغاربة المعادين للأمازيغية غير قليل. لماذا لم يستشهد وزير الثقافة السابق بمولود معمري و أعماله و محمد أركون و استكشافاته وتأملاته، أم أنه كان يبحث عن الذين يتغنون بنفس أغنيته؟

و أضاف :” وهذه الأطروحة ( أي  أن الأمازيغ منحدرون من أصل يمني قحطاني) يعرضها أو يدافع عنها على أنحاء متفاوتة في الدقة و الإقناع كل من كابرييل كامبس و المختار العرباوي وفهمي خشيم”

أولا هذا افتراء على كابرييل كامبس. فهو يقول عكس ما ذكره صاحب المقال موضوع الرد. بحيث أنه يؤكد في كتابه ” البربر ذاكرة و هوية” في الصفحة 57 ” وجاء هيرودوت بحديث آخر على اختصار وابتسار شديد، لكنه حديث صحيح، يقابل فيه بين « ليبيا الشرقية (حيث) يقطن الرحل (وهي) أرض منخفضة ورميلية تمتد حتى نهر تريتون، وليبيا الواقعة غرب هذا النهر ويسكنها المزارعون و(هي) أرض كثيرة الجبال و الغابات…» والجملة الأخيرة بالغة الدلالة ، فهي لا تنطبق على أراضي قرطاج الساحلية وحدها، وهي سهول شديدة استواء، بل تصح كذلك على سائر أراضي شمال إفريقيا ، وهي بلاد الأطلس” دليل تاريخي لا ينازع فيه ذو بصيرة يفيد عراقة حضارة شمال افريقيا و عمق تاريخها.

أما فيما يخص الأصل الكنعاني للأمازيغ (البربر) فقد كتب في الصفحة 64 ” سعى فقهاء اللغة و المستشرقون إلى تعزيز قولهم بالأصل المشرقي للبربر بحجج جديدة، فبعضهم اعتمدوا على الروايات الإغريقية و اللاتينية، وبعضهم اعتمدوا على النصوص العربية”

كابرييل كامبس يتحدث بوضوح عن فقهاء اللغة و الذين اعتبرهم السيد بنسالم حميش باحثين “هناك من الباحثين من ذهبوا …”

و كتب المؤرخ الفرنسي في نفس المؤلف بالصفحة 71 “لقد صارت كل محاولة للتفسير تستند تقليديا إلى الاجتياحات والهجرات، والغزوات وأشكال الهيمنة (التي وقعت على البربر). ماذا لو لو كان البربر لم يأتوا من أي مكان؟ ” أليس هذا اعترافا بأن الأمازيغ أهل الأرض؟

أما في ما يخص فهمي خشيم، فهو من موالي للسلطة في عهد معمر القدافي المعروف بسياسته الإبادية لكل ما هو أمازيغي . من بين المناصب التي شغلها أذكر على سبيل المثال، أنه كان  وكيل وزارة الإعلام و الثقافة، وزير الدولة… عضوا نشيط في مؤسسات تعنى بالثقافة العربية مثل المجلس القومي للثقافة العربية و المركز العربي للدراسات التاريخية كل أعماله كانت تستهدف تعريب شمال افريقيا.

و كما يقول المثل الأمازيغي : ⵎⴰ ⵛⵎ ⵉⵙⵎⵖⵓⵔⵏ ⴰⵜⵉⵙⵍⵉⵜ? ⵜⵏⵏⴰ ⵙⵏ ⵉⵎⵎⴰ ومعناه:  من شكرك أيتها العروس؟ أجابت أمي.

أما ابن خلدون، الذي ذكره الفيلسوف و قال إنه يرجح الأصل اليمني لقبائل أمازيغية، فقد استنتج في كتابه العبر، بعد استعراض أقوال مختلف المؤرخين قائلا :” و أما إلى من يرجع نسبهم من الأمم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافا كثيرا. و بحثوا فيه طويلا.” كلام ابن خلدون بخصوص أصل الأمازيغ لا غبار عليه. و لماذا الافتراء؟

ولم يقف السيد وزير الثقافة السابق عند هذا الحد، بل  كتب بدون خجل :” حروف تيفيناغ التي لا تراث لها…” ما جدوى الفلسفة و الثقافة و الوزارة إذا أطاعت الإيديولوجيا وخضعت لها؟ ما جدوى العلوم و المعارف إذا أصبحت بضاعة تباع و تشترى؟ ما جدوى الأفكار إذا لانت أمام النقد وخضعت لمن يدفع أكثر؟

 لا يجوز لمن يحمل مثل هذه الأفكار-البضاعة أن يتحدث عن الحياة معا. فالرغبة في الحياة معا بدايتها الاستقلالية أولا لأن العبد تحت أوامر سيده. ثم الاحترام المتبادل ثانيا  لأن غياب الاحترام يجعل العيش المشترك أمرا مستحيلا.

وسيرا على نهج من يحقد على الأمازيغية و يريد الانتقام منهما، جعل العربية مرجعا ، و حاول أن يبين أن كل من تبنى الحرف الأمازيغي تيفناغ فهو متهم بالرغبة في قطع الأواصر مع اللغة العربية. و العبارة تهديد صريح لكل من يريد التمسك بهويته أو الحفاظ على خصوصيته.

و كباقي أعداء الأمازيغية حاول يائسا الجمع بين اللغة العربية و الإسلام و كتب:” وسط تبنى الأمازيغ فيه الإسلام و العربية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.” نحيط علما كل من يحمل مثل هذه الأفكار و يريد أن يتاجر بها،  أن من تبنى الإسلام و العربية من الأمازيغ، قد أقدموا على ذلك ليس مقايضة بأمازيغيتهم و لا تخليا عنها و لا يعتبرون أنفسهم عربا أبدا. يحترمون كل اللغات و يكتبون بها، و ينفتحون على مختلف الثقافات و يتعاملون معها، و لا يخامرهم أدنى شك في كونهم أمازيغ لهم تاريخ عريق يعتزون به و حضارة كبيرة يكتشفون معالمها شيئا فشيئا لكونها طمست وحجبت عن الرؤية.

ثم إن بعض الذهنيات، للأسف، لا تقبل التطور مهما بلغ ولا تستوعب التغيير مهما كبر، لكون بنيتها تكونت كذلك ،  تترسب كصخور الكلس المحجرة. ففي بلادنا المغرب، تم اكتشاف غيّر المعطيات الأركيولوحيا في العالم بأسره و كتب تاريخا جديدا للبشرية تحدثت عنه كل المنابر العلمية و غير العلمية ، اكتشاف جعل من شمال افريقيا أصل الإنسان وموطنه الأول. و يتعلق الأمر بالموقع الأثري جبل إيغود الذي اكتشفت فيه بقايا الإنسان العاقل، اكتشافات أضافت مئة ألف سنة للتاريخ الإنساني.

فما المانع من اعتماد هذه المعطيات المستجدة من طرف السيد وزير الثقافة السابق؟

 لقد صدقت يا بودهان عندما تحدثت عن المتحولين جنسيا أصحاب الامتيازات الدينية والسياسية و الإجتماعية الذين يهربون من جنسهم الأمازيغي ويهرولون إلى الجنس العربي!

الغازي لكبير / أغبالو


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments