في نقد خطاب العَداء الأمازيغوفوبي
أولاــ رشيد بنعيسى
هدفي من سلسلة المقالات التي أعنونها ب “في نقد خطاب العَداء الأمازيغوفوبي” والتي أقترحها على القارئ الكريم في عشر حلقات أن أنتقد بشيء من التفصيل مقبول في وسائل الاعلام خطاب الكراهية the hate speech الذي سعى ولا يزال يسعى إلى التضييق على اللغة الأمازيغية ومتعلقاتها الهوياتية، سواء عندما يتخذ هذا الخطاب طابعا عدائيا مباشرا، كما يحدث عند بعض “المثقفين” ممن لا يرقى ذكاؤهم العاطفي إلى مستوى إخفاء نبرة العداء، أو عندما يتخذ هذا الخطاب طابع “الخطاب العالِم” الذي يبرر مصادراته بشرعية “العلم” و”البحث الأكاديمي”. سأخصص الحلقة الأولى من هذه السلسلة ل”الباحث” الجزائري رشيد بنعيسى المعروف بڤيديوهاته و”محاضراته” التي يبدي فيها تشنجا كبيرا إزاء الحركة الأمازيغية (التي يسمي أهلها بال”يربيريست”) وبسعيه إلى اختزال الأمازيغية إلى مجرد “لهجات بربرية متفرقة” لا تصلح لشيء سوى للاستعمال المحلي الشفوي.
أنطلق في مقالاتي هاته من مسلمة عملية وهي أن أهدى الطرق وأقومها في الرد على خطابات الكراهية والعنصرية التي يظهرها الأمازيغوفيبيون، والتي، وللأسف، لا يجرمها القانون لحد الآن ولا يعاقب عليها، هي مواجهة هذه الخطابات بصحيح العلم ودقيق التحقيق.
المتن الخِطابي
المتن الخِطابي الذي سأنقده، في حالة رشيد بنعيسى، يتكون من ڤيديوهاته التي يبثها عبر بعض المواقع الالكترونية ويعبر من خلالها عن آرائه العدائية حول الأمازيغية (التي يفضل أن يسميها ب”البربرية” وأحيانا ب”الفينيقية” وأحيانا ب”الكنعانية”)، ومن خلال الحوارات التي أجريت معه، ومن خلال “محاضرة” مفصلة كان قد ألقاها في كلية الآداب والعلوم الانسانية — جامعة القاضي عياض، منذ سنتين، كنت قد حضرتها شخصيا وسجلتها مضامينها من أولها إلى آخرها.
هل يسمح التكوين الأكاديمي لرشيد بنعيسى بالتحدث في أمور اللغات؟
يصف أنصار السيد بنعيسى (و”أتباعه”) ب”اللساني العظيم”. فهل سبق له أن درس اللسانيات في أي مستوى من مستويات تكوينه، قبل أن ندقق في ما إذا كان “لساني”؟ وهل هو “لساني” بتكوينه، قبل أن ندقق في ما إذا كان “لسانيا عظيما”؟ سأبين في هذا الجزء من مقالي، ومن خلال تتبعي للمسار الأكاديمي للرجل، أنه لم يتخصص في اللسانيات قَطُّ، ولم يتكون بصفته “لسانيا” قَطُّ، لأبين في الجزء الموالي، من خلال نقد فرضياته الاعتباطية حول علاقة ألفاظ معجم بعض اللغات كالفرنسية والانجليزية بألفاظ اللغة العربية، أنه ليس “لسانيا عظيما” بل مجرد مُدّعٍ قليلِ العلم يستغل جهل عامة الناس بطبيعة اللغة الانسانية (وهذا موضوع اللسانيات بفروعها) ووظائفها (وهذا موضوع التداوليات والسوسيو لسانيات بفروعها) والمسارات الطبيعية لتغيرها (وهذا موضوع اللسانيات التاريخية بفروعها) لِيُبرِّر حقده الغريب على الأمازيغية ومتعلقاتها الهوياتية.
حصل السيد بنعيسى سنة 1962 على دپلوم الدراسات الاسلامية العليا تحت إشراف المستشرق HenryPeres، ليدرس بعد ذلك علم الاجتماع والفلسفة في جامعة دمشق (في سوريا البعثية) بين 1962 و1964. سنة 1966، حصل الرجل على دپلوم في “الأدب العربي” وليسانس في “علم الاجتماع”، ليحصل على ماستر في “علم الاجتماع” سنة 1968. عُين سنة 1969 سكرتيرا عاما للتعليم قبل أن يشتغل مستشارا لوزير التعليم الموريتاني للفترة الممتدة بين 1971 و1972. سنة 1976، وأكمل رسالته في دوكتوراه السلك الثالث في موضوع “الأصولية الاسلامية والحداثة” التي حولها إلى دوكتوراه دولة بتوصية من لجنة المناقشة. وفي نفس السنة، حصل على التبريز في برنامج دراسي كان مسجلا فيه حول هيستوروڭرافيا الاسلام.
فواضح من دپلومات الرجل والمواضيع التي كان يدرسها أنه لم يتلق أي تكوين في مجال اللسانيات أو السوسيولسانيات أو اللسانيات التاريخية (وهي المجالات التي ينبغي أن يكون ملما بها ليتكلم في المواضيع التي يتكلم فيها دائما) ولم يحصل على أي شهادة تثبت أهليته للتكلم فيها بَلْهَ التنظير لها والابداع فيها. يؤكد بنعيسى بنفسه عدم تخصصه في هذا المجال، عندما يرد على أحد الصحافيين سأله عن تخصصه فأجاب: “لي عدة شهادات، فانا حاصل على الدكتوراه بالتاريخ وفي علم الاجتماع وفي الأدب المقارن وماجستير بالعلوم السياسية”، فلا يدعي معرفته باللسانيات وتاريخ اللسانيات، رغم أن أنصاره يصفونه ب”اللساني” وأحيانا ب”اللساني الكبير”، ورغم أنه يكثر الحديث باسمهما عندما يتهجم على الأمازيغية إذا ما توجه بكلامه إلى من لا يعرف تكوينه الحقيقي.
من أشكال التدليس التي يمارسها السيد بنعيسى عندما يعرف بپروفيله الأكاديمي ليقنع مستمعيه بتأهُّله للتكلم في أمور اللغات أنه يذكر “إتقانه” لعشر لغات منها العربية والفرنيسة و”القبايلية” (يقصد الأمازيغية بلهجتها القبايلية) واللاتينية واليونانية القديمة والأمهرية، إلخ. ولنا على هذا “التعريف” الأكاديمي ملاحظات نجملها في ما يلي:
أولاـ أن إتقان المرء للعديد من اللغات لا يستلزم بالضرورة كونه قادرا على ممارسة التحليل اللساني. فتشومسكي، مثلا، وهو من أشهر اللسانيين المعاصرين، لا “يتقن” سوى لغتين اثنتين، هما العبرية والانجليزية، ولا يركز في تحليلاته سوى على لغة واحدة هي الانجليزية. فلو كان تعدد اللغات التي يتكلمها المرء دليلا على تأهله لممارسة اللسانيات لكان الأطفال الذين يتقنون 8 لغات فأكثر (وهو موجودون بالفعل) لسانيين، وهذا ليس صحيحا. فالقاعدة في التحليل اللساني أن “تتعمق” في فهم لغة تتقنها، وأن تنقل تحليلك لبعض جوانبها إلى لغات أخرى قد لا تتقنها ولكنها تفهمها بشكل جيد من خلال دراسة ما راكمه اللسانيون حولها.
ثانياــ أن إتقان السيد بنعيسى للغتين العربية والفرنسية أمر مؤكد وقد وقفت عليه بنفسي، لكن إتقانه للاتينية والانجليزية واليونانية أمر يشك فيه صاحب هذا المقال، خصوصا أن “تحليلاته” الايتيمولوجية الفولكلورية لا تعكس معرفة قريبة بهذه اللغات. أنظر ملاحظاتنا أسفله حول التمحل الايتيمولوجي في ربط الفعل الفرنسي savoir بلفظة “سفر” في العربية.
وعليه، فرشيد بنعيسى ليس “لسانيا”، وتكلمه في المواضيع اللسانية هو تطفل على علم لا يتقنه، وتحدثه بلغات متعددة، فضلا عن كونه أمرا مشكوكا فيه، ليس دليلا على قدرته على التحليل اللساني، ودعوته إلى بعض الجامعات المغربية لم يكن بسبب كفاءته بل مكافأةً حصل عليها الرجل مقابل إعطاء الفرصة لمن دعاه لقضاء بِضع أيام في مدينة باريس الفرنسية.
هل الأمازيغية “فينيقية” أو “كنعانية”؟
لنبدأ نقاشنا من إصرار بنعيسى على وصف الأمازيغ ب”الفينيقيين” أو “الكنعانيين”، ووصف لغتهم ب”الفينيقية” أو “الكنعانية”. من أين أتى رشيد بنعيسى بهذه المصادرة التاريخية الواثقة من نفسها؟ يجيب الرجل في إحدى محاضراته بأن هناك دليلا تاريخيا قويا وهو أن القديس أوغيسطينوس أشار إلى فلاحي شمال إفريقيا ب”الكنعانيين” وبأن لغتهم هي “الكنعانية”. وهذا نفس الدليل الذي يكرره العديد من الموظفين الأيديولوجيين الذين تستبد بهم رغبة كبيرة ليجردوا إيمازيغن من كل مقوماتهم الهوياتة: لغتهم، حروفهم، ثقافتهم، وهويتهم التاريخية إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
لكن ما قصة وصف أوغسطينوس لسكان شمال إفريقيا ب”الفينيقيين” أو “الكنعانيين”؟
النص الذي يشير إليه بنعيسى وغيره (والذي لا يورده حرفيا حتى يتحقق المستمعون من مضامينه) والذي يتضمن إشارة أوغسطينوس المقتضبة لتحديد هوية سكان شمال إفريقيا بصفتهم “كنعانيين” أو “فينيقيين” هو جزء من رسالة غير مكتملة كتبها أوغسطينوس يشرح فيها رسالة القديس بولس إلى أهل رومية التي يعتبرها المسيحيون جزءا من قانون العهد الجديد. والصيغة المعيارية المحققة لنص أوغسطينوس هي كما يلي:
Unde interrogad rustid nostri, quid sint, Punice respondentes: Chanani, corrupta scilicet, sicut in talibus solet, una littera, quid aliud respondent quatn: Chananaei
ترجمة هذا النص بالعربية هو كما يلي (الترجمة لنا(
:لذلك فعندما يُسأل بَدويُّونا / فلاحونا من يكونون، فإنهم يردون بالفينيقية: كاناني، بتحريف حرف واحد من طبيعة الحال، كما هي العادة في مثل هذه الأحوال، فماذا يعنون بكلامهم غير كنعاني؟
يتساءل أوغيسطينوس في هذا النص تساءل من يتعجب ممن ينكر “كنعانية” سكان الأسقفية الكنسية التي كان يترأسها: “ألا يعترف سكان أسقفيتي بكنعانيتهم وهم يستعملون اللغة الفينيقية؟” فيشير إلى القوم بتعبير rustid (وهو ما ترجمه كاتب هذا المقال ب “بدويونا/فلاحونا” تجاوزا) الذي يعني “البسطاء من الناس ممن يمارس الفلاحة ولا علاقة له بأسلوب الحياة الحضري”. فرغم أن ال rustid يستعملون لفظة Chanani، فهم إنما يحرفون اللفظ الدال على “كنعاني” بحذف أحد حروفه.
حاول الموظفون الأيديولوجيون أن يرتبوا ثلاث نتائج على فهمهم لهذا النص:
أولها- أن اللغة التي كان يتكلمها سكان شمال إفريقيا هي “الفينيقية”، مما يعني أن ما نسميه “أمازيغية” هو في حقيقته لغة “فينيقية”، وهذا رأي بنعيسى، أو أن الفينقية كانت هي اللغة السائدة لسكان شمال إفريقيا بينما الأمازيغية كانت مهمشة أو غير موجودة أصلا، وهذا هو الرأي المتطرف لبعض السياسيين في الجزائر.
وثانيها- أن الفينيقيين هم أنفسهم الكنعانيون
وثالثها- أن سكان شمال إفريقيا كانوا يعون بأنفسهم بصفتهم “كنعانيين”.
وبما أن الموظفين الأيديولوجيين يفترضون أن “الفينيقية” لغة سامية قريبة من العربية، فإنهم يستنتجون أن الأمازيغية إما أن تكون “لهجة من لهجات العربية” (بقدر ما هي فينيقية) أوغير موجودة أصلا (بقدر ما يكون سكان شمال إفريقيا الأصليين متكلمين بالفينيقية).
لنا على هذه العبثيات الهرمينوطيقية خمس ملاحظات نجملها في ما يلي:
1 ــ أنه من الغريب، مبدئيا، أن ينفي إنسان سوي هوية شعب من الشعوب تشهد لها لغتهم التي لا تزال موجودة إلى اليوم، وحروفهم التي لا تزال منقوشة على حجارة أرضهم إلى اليوم، وعاداتهم التي لا تزال تمارس إلى اليوم، وممالكهم التي نعرف الكثير من تفاصيل نشوئها وأفولها إلى اليوم، وطوپونيميا أماكنهم التي لا يزال معظمهما متداولا على الألسن إلى اليوم، وملبسهم الذي لا يزالون يلبسونه إلى اليوم، وتكوينهم الجيني الذي لا يزال مرقوما في أعماق خلاياهم إلى اليوم ـــ ينفي كل ذلك متعلقا بلفظتين اثنتين (تنفيان كل ذلك) معناهما ملتبس (كما سأبين) استعملهما لاهوتي لأسباب لاهوتية (كما سأبين) في إطار سياق ملتبس إلى أقصى حدود الالتباس (كما سأبين).
2 ـ أن أوغيسطينوس نفسه قد انتبه إلى أن الاسم الذي يطلقه أهل أبرشيته من بسطاء الناس على أنفسهم ليس هو “كنعاني” الذي ينطق باللاتينية “تشانانايي” بل “تشاناني” أو “كاناني” الذي يمكن أن يكون اسما لقبيلة أمازيغية مثل “إكنان” التي تعني في بعض المناطق مثل الشاوية الجزائرية “التوأم”. (قارن إسم “إكنيون” الذي يطلق على أكثر من منطقة واحدة في شمال إفريقيا والذي معناه “التوأم”). فأوغسطينوس لم ينقل لنا الاسم ذاته الذي كان سكان أبرشيته يطلقونه على أنفسهم، بل نقل لنا تأويله الفونيتيكي لهذا الاسم، فاعتبر طريقة نطق السكان أنفسهما محرفا لا يُفهَم إلا إذا ما نطق باللغة اللاتينية التي كان يقدسها الرجل لأنها كانت لغة الترجمة الرسمية للعهدين الجديد والقديم عند الكنيسة الكاثوليكية ( = ما يسمى بترجمة “الڤولڭاطا” التي أنجزها جيروم في القرن الرابع الميلادي)
3 ـ أن كلام أوغيسطينوس عن “كنعانية” و”فينيقية” أهل أبرشيته محفّز بغايات لاهوتية لا تفهم إلا على ضوء نصوص أخرى كتبها. من ذلك مثلا تعليقه على العدد الأول من رسالة يعقوب (وهي جزء من قانون العهد الجديد) التي وجه فيها “يعقوب أخو يسوع في الجسد” تحية مقدسة استعمل فيها عبارة “سلام” التي ترجمتها في اللاتينية “سالوس” salus ولما كانت لفظة “سالوس” في الفينيقية تعني “ثلاثة”، فقد أورد أوغسطينوس حوارا له مع أسقف كنيسة هيپو السابق، الأب ڤاليريوس، والذي اندهش عندما سمع “البدو” يستعملون عبارة “سالوس” في تحاياهم، والتي، رغم أنها في اللاتينية تعني “سلام” و”سلامة”، فإنها في الفينيقية تعني “ثلاثة”. فرأى أوغيسطينوس في ذلك علامة إلهية على ارتباط “السلام” ب”الثالوث الأقدس” في العقيدة المسيحية. فإذا كان سكان أبرشية أوغيسطينوس “كنعانيون” يتحدثون ب”الفينيقية”، فسيكون في الأمر “إعجاز لغوي” تربط به لغة القوم معنى “السلام” بعقيدة كاثوليكية أساسية، وهي عقيدة “الثالوث الأقدس”. هذا هو الدافع اللاهوتي الأول عند أوغيسطينوس الذي جعله يربط بين سكان أبرشيته والكنعانيين.
4 ــ أن كلام أوغيسطينوس عن “كنعانية” و”فينيقية” أهل أبرشيته محفّز برغبته في ربط قومه بإحدى النساء الكنعانيات التي ورد ذكرها في إنجيل متى (15:21) والتي مدح المسيح إيمانها وقال لها إذ شفىت ابنتها: “يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ”. فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ”. خصوصا أن المرأة الكنعانية طلبت من المسيح شفاء لابنتها ولفظ “شفاء” في اللاتينية هو “سالوس” الذي يعني “ثلاثة” في الفينيقية، مما جعل أوغسطينوس يؤكد مرة أخرى “الاعجاز اللغوي” الفينيقي ــ اللاتيني الذي يربط “الشفاء” ب”الثالوث الأقدس”. فالتأكيد على فينيقية سكان أبرشيته مدفوع برغبة أوغسطينوس في ربطهم ب”المرأة الكنعانية” التي مدح المسيح إيمانها وفضلها، بسبب إيمانها، على قومه من بني إسرائيل..
4 ــ أن كلام أوغيسطينوس عن “كنعانية” و”فينيقية” أهل أبرشيته محفّز بدوافع إسكاطولوجية ( = “أُخْرَوِية”). فأوغيسطينوس يؤمن ب”نبوءة” من نبوءات سفر إشعياء (الأصحاح 19) والتي تقول بأنه في “آخر الأيام” ستقوم مملكة مشكلة من اتحاد امبراطورية آشر، وإسرائيل، ومزراييم التي معناها مصر مع نسله الذي انتشر في شمال إفريقيا. وهذا جزء من نص هذه “النبوءة”:
العدد 18: “في ذلك اليوم يكون في ارض مزراييم خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لإحداها مدينة الشمس”
العدد 23: “في ذلك اليوم تكون سكة من مزراييم إلى أشور فيجيء الأشوريون إلى مزراييم والمزراييم إلى أشور ويعبد المزراييم مع الأشوريين”
ففي جينالوجيا سفر التكوين الذي كان أوغسطينوس يحفظه جيدا، “مزراييم” هو أخو “كنعان”، وكلاهما من أب واحد هو “حام” أخو “سام”. ورغم ذلك تقتضي نبوءة إشعياء أنه ستكون في بلاد مزراييم (شمال إفريقيا) 5 مدن تتحدث بلغة كنعان (أشعياء 19:18). لذلك فقد كان أوغيسطينوس يرى في أبرشيته واحدة من المدن الخمسة التي “تتكلم بلغة كنعان” والتي سترث “الوعد الالهي” المذكور في سفر إشعياء. فوصف الأسقف لأهل أبرشيته ب”الكنعانيين” ليس وصفا تاريخيا بالضرورة، بل هو تعبير عن عقيدة إسكاطولوجية أوحى له بها الأصحاح التاسع عشر لسفر إشعياء.
5 ــ أن منقوش مسلة دوڭّا الذي بناه سكان مدينة دوڭا التونسية في القرن الثاني قبل الميلاد تكريما لأحد ملوكهم النوميديين (ربما الملك ماسينيسا)، كان مكتوبا بالأمازيغية الليبية القديمة باستعمال تيفيناغ القديمة، من جانبه الأيمن، وباللغة الفينيقية، من جانبه الأيسر. مما يعني أن سكان شمال إفريقيا لم يكونوا يخلطون بين الفينيقية والأمازيغية، ولم يكونوا يعتبرونها لغة واحدة، بل الأرجح أنهم كانوا مزدوجي اللغة بفعل تأثرهم بالتجار الفينيقيين الذين كانوا مستقرين على طول السواحل الشمالية لمنطقة شمال إفريقيا والذين نشروا ثقافتهم الوافدة بشكل ملحوظ بين سكان شمال إفريقيا. فالأرجح، إذن، أن أوغسطينوس يتحدث عن ثقافة وافدة أثرت فيه وفي سكان أبرشيته لا عن الثقافة المحلية للسكان الأصليين لشمال إفريقيا.
خلاصة القول أن تسمية بنعيسى للأمازيغية ب”الفينيقية” أو “الكنعانية” بناء على ملاحظة أوغسطينوس في تعليقه غير المكتمل على رسالة القديس بولس، هي تسمية اعتباطية لأن أوغسطينوس قد ترجم لفظة محلية قد لا تعني “كنعاني” أصلا، ولأن أوغسطينوس كان محفزا بدوافع لاهوتية (ربط لفظة “سالوس” بعقيدة الثالوث الأقدس)، ودوافع إيمانية (إيمانه بأنه من جنس المرأة الكنعانية التي شفاها المسيح)، وبدوافع إسكاطولوجية (إيمانه بنبوءة إشعياء)، ولأن مسلة دوڭا تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن سكان شمال إفريقيا في القرن الثاني قبل الميلاد كانوا يميزيون تمييزا لا غبار عليه بين الفينيقية والأمازيغية.
الايتيمولوجيا الفولكلورية عند بنعيسى
القاعدة التي نبني عليها نقدنا للكلام المكرور الذي يأتي به بنعيسى في كل ڤيديو من ڤديوهاته وفي كل “محاضرة” من محاضراته هي تلك التي نميز بموجبها بين “الايتيمولوجيا” و”الايتيمولوجيا الفولكلورية”. “الايتيمولوجيا” علم. أما “الايتيمولوجيا الفولكلورية” فعلم باطل pseudo-science “الايتيمولوجيا” هي العلم الذي نبحث فيه عن أصول الكلمات داخل اللغة الواحدة، أو داخل العائلة اللغوية الواحدة، أو داخل جميع اللغات الطبيعية التي أنتجها الانسان في 60000 سنة الأخيرة من عمره على الأرض. أما “الايتيمولوجيا الفولكلورية” فهي ممارسة أيديولوجية محفّزة برغبة صاحبها في “إثبات” الأسبقية التاريخية للغة ما على بقية اللغات، وهذا هو ما يسميه صاحب هذا المقال ب “الپرومينيا” (التشبث الپاتولوجي بموقع “الأسبقية”) أو إثبات “تفوق” لغة ما على اللغات الأخرى، وهذا ما يسميه صاحب هذا المقال ب”الأنوطيرومينيا” (التشبث المرضي ب “التفوق”)
فعندما استمعت بتركيز لما يقوم به رشيد بنعيسى في ڤيديوهاته و”محاضراته” من ربط بين الألفاظ العربية وألفاظ أخرى في لغات أخرى كاللاتينية والفرنسية والانجليزية، وما يرتبه على هذا الربط من نتائج (جملتها أن العربية أصل وبقية اللغات فروع من هذا الأصل)، استغربت لقدرته المذهلة على الاسترسال في الكذب دون أن يخطر بباله أن كلامه سيسقط، طال الزمان أم قصُر، في يد المتخصصين الذين سينقضون ويردون عليه بشكل يفضح جهله بشكل لن يكون مشرفا.
من أمارات الايتيمولوجية الفولكلورية، وهي منهج رشيد بنعيسى في كل تمَحُّلاته، أن صاحبها يلجأ إلى كثير من التمحُّل في ربط لفظة س في لغة ما بلفظة ش في لغة غيرها بناء على تشابه سطحي في مبناها معتبرا أن إحدى اللفظتين، ولتكن هي س مثلا، أصل تاريخي للأخرى، ولتكن ش مثلا، دون أن يقدم أدلة مقنعة على ربطه، ومكتفيا باصطناع روابط دلالية بينهما يغلب عليها التمحل والتكلف. من ذلك مثلا أن يُقال إن أصل اللفظة door الانجليزية التي معناها “باب” هي dure في الفرنسية (أو العكس) التي معناها “صلب ومتين” وذلك لأن من شأن الباب أن يكون صلبا ومتينا، أو أن يقال إن أصل “القِدر” في العربية هو “أڭادير” (أو العكس) لأن الجامع بين القدر و”أڭادير” أن كليهما يصلحان لحفظ الأشياء، أو أن يقال إن أصل اسم “تارودانت” (وهو اسم مدينة مغربية) هو “تاروا دّانت” التي معناها “لقد ذهب الأبناء” فتُختلق قصة مفادها أن امرأة فقدت أبناءها في سيل من السيول حصل قرب المدينة، فقامت تصرخ: “تاروا دّانت، تاروا دّانت!”. هذا كله عبث لا دليل عليه.
من أمارات الايتيمولوجيا الفولكلورية أيضا أن صاحبها يميل إلى إنكار كل ما أنجزه العلماء في قرون من البحث ويكتفي في إنكاره بالانكار وإعادة الانكار، دون بسط الحجج المعتبرة، ودون تفصيل التحاليل، ودون الاشارة إلى المراجع، ودون تقديم معطيات جديدة قد تكون خافية على سابقيه، ودون اعتماد أي منهج من مناهج المقارنة التي تستجمع المتقاربات في لغات عديدة، وتقارنها لتكشف عمّا تشترك فيه من حيث جذورها وما تختلف فيه من حيث ما زيد على الجذور أو حذف منها، ودون أن تستعمل قواعد المعطيات المتوفرة والمعاجم المعتبرة. فيكفي العابثين أن يلاحظوا تقاربا صوتيا بين لفظتين في لغتين مختلفتين حتى يقفزوا على كليهما معتبرين إحداهما “أصلا” للأخرى، والثانية “فرعا” عن الأولى، أملهم في نشر عبثهم أن لا حسيب من أهل العلم سيحاسبهم على عبثهم، ولا رقيب من أهل الاختصاص يراقب قيمة شطحاتهم. فالمعوّل عليه عندهم أنهم يتوجهون بكلامهم لمن لا يتقن اللسانيات التاريخية، فهو علم نادر في محيطهم، ولا يفقه في أصول الايتيمولوجيا، فهي صارت نادرة حتى عند أهلها فكم بالأحرى تكون عند من يتطفل عليها من الأمم التي يغلب الجهل على عامتها و قلة العلم عند خاصتها.
فالسبيل إلى الايتيمولوجيا الفولكلورية هو دائما واسع وقصير ويسير، أما السبيل إلى التحليل الايتيمولوجي العلمي فهو دائما ضيق وطويل وعسير، لا يصبر على مشقته إلا العلماء الحقيقيون.
ولتوضيح منهج التَّمَحُّل الايتيمولوجي الذي يمارسه بنعيسى، رغم عدم توفره على تكوين لساني يؤهله لتقدير الأصول الايتيمولوجية للكلمات، سأقدم مثالا تفصيليا أرى أنه يلخص كل الممارسات الخاطئة للرجل في هذا المجال.
المثال الذي سأذكره في هذا السياق هو فعل savoir في الفرنسية التي معناها “علِم”: يرى بنعيسى أن الأصل في فعل savoir في الفرنسية هو “سَفَر” في العربية، وبيان ذلك، في نظره، أن أعظم أشكال تحصيل المعرفة هو “السفر”، أي الانتقال من مكان إلى مكان. ومما يعتبره أمارة من أمارات هذا الاشتقاق الايتيمولوجي الغريب وجود لفظة “سِفر” في العربية التي معناها “كتاب”. ف”الكتاب” هو أصل كل معرفة، و”السَّفَر” هو أعظم موارد ما تحمله الأسفار من معارف. وبهذا، يستنتج بنعيسى أن الفرنسيين يستعملون في لغتهم ألفاظا عربية وهم لا يعلمون.
أوجه اللغو في ربط بنعيسى كثيرة من بينها:
1 ـ أن صيغة الفعل savoir في الفرنسية هي صيغة sav- من المجموعة الثالثة (Verbes du 3ème Groupe)التي يكون الحرف r فيها مزيدا على الجذر. فأصل الفعل هو sav-، والراء ليست جزءا من الفعل. فكيف تستعير الفرنسية فعلا من العربية هو أصلي في اللغة المُستعار منها بينما هو مزيد في اللغة المستعيرة؟ هذا في ذاته عبث لا حاجة بعد ثبوته لإثبات مزيد من العبث.
2 ــ أن الفعل savoir في الفرنسية جاء من الفعل اللاتيني sapio, -ere الذي معناه “تذوق” و”علم” و”أبدى ذكاء”، فجذره هو sapio، ولاحقته المصدرية هي ere . فلا علاقة لهذا الجذر ب”السفر” بل ب”العلم” و”التذوق”. لذلك يشتق من نفس الجذر sapor معناها “المذاق”، منها جاءت اللفظة الفرنسية saveur التي تعني نفس الشيء، منها أيضا جاءت resipere معناها “تذكر رائحة شيء ما” منها respirer في الفرنسية. من هاته الجذور اللاتينية اقترضت الانجليزية sip معناها “ارتشف” وsap معناها “الماء الذي يجري في النبات قد يمتص منه”، وsoup معناها “الشربة”.
وعندما نبحث في القواميس الهندو أوروپية (معجم “پوكورني” وقاعدة معطيات “برج بابل”) مثلا)، نجد مادة غزيرة مشتقة من الجذر sap و sab تتأرجح معانيها بين “الشرب” و”التذوق” و”الارتشاف” و”السقي”. فتجد، مثلا في الانجليزية القديمة sap بمعنى “الماء الذي يجري في نبات من النباتات” أو “العصير” أو المرق”، وتجد في اللغات السامية جذر sakw الذي منه اللفظ العربي “سقي”، وفي الأمازيغية sw الذي منه الفعل swa معناه “شرب”
فكل المتقاربات المشتركة بين اللغات الهندو أوروپية والسامية وغيرهما تدل على وجود جذر بمعنى “التذوق” و”الارتشاف” و”الشرب” منه اشتق معنى “التذوق”، منه اشتق ما يدل على “العلم” و”الحكم الصحيح” لا علاقة له ب”السّفر”.
3 ــ أن الاسم “سِفر” من أصل سامي مختلف. فهذا يوجد في العِبرية، مثلا، بمشتقات كثيرة مثل “سفر” جمعها “سفاريم”، منها “صوفر” بمعنى “كاتب الأسفار” و”سيفرياه” بمعنى “مكتبة” و”سافروت” بمعنى “الأدب” literature، منه أيضا “ميسپار” معناها “العدد”. هذا جذر سامي الراء جزء منه وليست مزيدة عليه كما في الفعل الفرنسي.
فهذه الأخطاء تعكس عدم إلمام بنعيسى بقواعد ممارسة الايتيمولوجيا الصحيحة، ويشكك في ما يدعيه من إتقانه لبعض اللغات كاللاتينية.
ما معنى أن تكون الأمازيغية لغة “حامية سامية”؟
من أوجه التدليس التي يشترك فيها معظم الأمازيغوفوبيين الذين يحاولون اختزال الأمازيغية إلى لغة ذات أصول “آسياوية” (عربية، فينيقية، يمنية، كنعانية، إلخ) قد نستغني عنها بتبني أصلها (العربي، الفينيقي، اليمني، الكنعاني، إلخ) أن يعمد المدلِّس إلى خلط فرضية انتماء اللغة الأمازيغية إلى المجموعة الحامية السامية ( = الافريقية الأسياوية) بأيديولوجيا “عروبة الأمازيغية” أو “فينيقية الأمازيغية” أو “كنعانية الأمازيغية”، إلخ.
لذلك ليسمح لي القارئ الكريم أن أدقق بما يسمح به سياق هذا المقال وحيّزه باستلزامات فرضية الانتماء الافريقي الآسياوي للغة الأمازيغية من أجل تمييزها عن المصادرات الأيديولوجية لبنعيسى ومن ذهب مذهبه من الموظفين الأيديولوجيين لأحزاب البعث المشرقية.
ينبغي أولا أن نذكر أن الفرضية العلمية التي مفادها أن أصل اللغات الإفريقية الأسياوية (التي تتضمن الأمازيغية والعربية كليهما) هو من إفريقيا ليست فرضية جديدة. فقد تبناها اللساني الكبير جوزيف ڭرينبورڭ Joseph Greenberg: Language, Culture and Communication 1971) بناء على ملاحظة ذكية مفادها أن المجموعة الإفريقية الأسياوية (Afroasian languageu family) تتكون من من 300 لغة ويتحدث بها حوالي 495 مليون متكلم، ولكنها تنقسم إلى 6 مجموعات فرعية، يتميز كل فرع من فروعها بخصائص صوتية ومورفولوجية معلومة، وهي: المجموعة الأمازيغية (في شمال إفريقيا)، والتشادية (في أجزاء مختلفة من “الساحل” الإفريقي)، والكوشية (القرن الإفريقي، وضفاف النيل)، والمصرية (مصر القديمة)، والأوموتية (جنوب غرب إثيوپيا)، والسامية (الشرق الأوسط). مما يعني أن خمس مجموعات فرعية من العائلة الإفريقية الأسياوية توجد في إفريقيا، بينما توجد مجموعة واحدة من هذه العائلة اللغوية في آسيا. وبما أن هجرة مجموعة بشرية واحدة من إفريقيا نحو آسيا هو أرجح عقلا من هجرة أربع مجموعات من آسيا نحو إفريقيا، فإن ڭرينبورڭ استنتج أن افتراض وجود أصل اللغات الإفريقية الأسياوية في إفريقيا (وليس في آسيا) هو أرجح من العكس.
ولا يمكن أن يُرَدَّ على فرضية ڭرينبورڭ بالقول: إن وجود مجموعة لغوية واحدة من العائلة الإفريقية السامية في آسيا (أي المجموعة السامية) قد يعني أنها لغة الجماعة البشرية التي لم تهاجر إلى إفريقيا، وأن المجموعات اللغوية الموجودة في إفريقيا هي فروع لغوية لجماعات بشرية هاجرت من آسيا نحو إفريقيا. فلو كان الأمر كذلك، لكانت المجموعة السامية مجموعة واحدة (بخصائصها الصوتية والصوتية والمورفولوجية وغيرها) تقابلها مجموعة أخرى هي المجموعة الإفريقية المتضمنة لكل المجموعات الفرعية الخمسة المتبقية (بخصائصها الصوتية والصوتية والمورفولوجية وغيرها). وهذا ما لا ينسجم مع واقع الحال، حيث نجد المجموعة السامية مجرد فرع لا يتقابل في خصائصه الصوتية والمورفولوجية مع مجموعة لغوية تجمع جميع اللغات الإفريقية الأخرى، بل إن كل مجموعة من المجموعات الستة فرع قائم الذات مستقل بخصائصه الصوتية والمورفولوجية.. مما يضعنا أمام حالة لغوية واضحة لا يستقيم معها سوى أن نفترض بأن أصل اللغات الإفريقية الأسياوية من إفريقيا لا من آسيا (ڤوويڭلين و ڤوويڭلين 1977 Classification and Index of the World‘s Languages, Voegelin and Voegelin).
إلا أن الخطأ الذي يقع فيه ڭرينبورڭ هو أنه افترض بغير دليل بأن اللغة الأم التي تفرعت عنها اللغات الإفريقية الأسياوية لا بد أن تتواجد في موقع جغرافي يربط بين إفريقيا وآسيا، مما دفعه إلى الإفتراض بأن أصل اللغات الإفريقية الأسياوية هو اللغة المصرية القديمة. ولربما التمسنا لڭرينبورڭ العذر في سقوطه في هذا الوهم وذلك لسببين اثنين: أولهما أنه لم يكن يعرف أن العلماء سيكتشفون في ما بعد أن أصل بعض اللغات يتواجد في هامش الرقعة التي تستعمل فيها هاتة اللغات لا في مركزها، كما يتضح من خلال الطريقة التي انتشرت بها لغة البانتو الإفريقية من الهامش نحو الوسط (دانييل ماك أل: 2016 …). و ثانيهما أن ڭرينبورڭ لم يكن يعرف أن علماء الأنتروپولوجيا سيكتشفون أقدم جمجمة لأقدم إنسان عاقل (من فئة الهوموساپيان الذي ننتمي إليه) سيُعثر عليها في المغرب (جبل إغود تحديدا).
من العناصر التي كان من الممكن أن تقدم بعض الدعم لفرضية ڭرينبورڭ القائلة بأن أصل اللغات الإفريقية الأسياوية هو اللغة المصرية القديمة هو أن منطقة إثيوپيا ـ إيريتيريا القريبة من مصر كانت هي الموقع الذي اكتشف فيه علماء الحفريات أقدم البقايا للإنسان العاقل الذي يسميه الأخصائيون بالهوموساپيان. فأقدم بقايا للهوموساپيان المتقدم (الذي يعتبر حلقة رابطة بين الإنسان المعاصر وأشكال أخرى بدائية للكائن الإنساني) اكتُشف في كينيا ويعود زمان حياته إلى 300000 ق.م. (براور 1997). ليظهر الإنسان العاقل بالمواصفات المعاصرة حوالي 160000 ق.م وجدت بقاياه في إثيوپيا (ما يُسمى بإنسان هيرطو). لذلك فبعض العلماء مثل سپرينڭر (2003) اعتبروا هيرطو حاملا لأقدم السمات الفزيولوجية للإنسان المعاصر التي من بينها اتساع الجمجمة (1450 مل). وعليه فإن ظهور اللغة الإفريقية الأسياوية الأصلية بهذه المنطقة، كما يفترض ڭرينبورڭ، فكرة مبررة ومنسجمة مع المعطيات الحفرية التي تشهد لظهور أقدم شكل إنساني بهذه المنطقة.
إلا أن نتائج رائز الإشعاع الحراري الذي طبق على بقايا إنسان إيغود (5 أفراد) في بحث طويل بدأ في 1981، أثبت أن هذا الإنسان هو من نوع الهوموساپيان القديم وأنه حياته كانت على الأرض منذ أكثر من 300000 سنة. وهذا مما لم يأخذه ڭرينبورڭ بعين الإعتبار لأنه توفي في 7 ماي 2001، أي حوالي 16 سنة قبل اكتشاف إنسان إغود.. فبحسب الباحث الفرنسي جون جاك هوبلان الذي درس بقايا إنسان إيغود أن هذا الإنسان من نوع الهوموساپيان (الإنسان العاقل) بدون شك لا يختلف عنه إلا في طول جمجمته الذي يشترك فيه مع إنسان نياندورتل الأكثر بدائية من الهوموساپيان القديم.
فالأرجح إذن أن أصل ما يسمى باللغات الإفريقية السامية يوجد في إفريقيا ، حيث توجد الأمازيغية، وليس في آسيا، حيث توجد العربية (مما يُكذِّب أيديولوجية “أتووا من اليمن والشام” بشكل لا رجعة فيه)، وأن الأرجح أن الإنسان الذي كان يتكلم هذه اللغة الأصلية كان يعيش في شمال إفريقيا (المغرب تحديدا).
فواضح، إذن، أن أصل اللغات من إفريقيا لا يختلف العلماء الجديون المعتبرون في صحة ذلك. في الجزء الثاني من هذا المقال سأدفع بنظرية الأصل الإفريقي للغات نحو فرضية أعمق وأشمل فحواها أن الأمازيغية تحمل أمارات أقدم اللغات الإفريقية.
فاعل أمازيغي ورئيس شعبة الدراسات الإنجليزية بجامعة القاضي عياض ودكتور في اللسانيات
ما يسمى رشيد بن عيسى واشباهه من حفدة الغزاة او اشباه العرب، أقول نحن هنا على أرضنا منذ ما لا تعرف بدايته. كنا بربر او فنيقيين ام ما تشاء، بأي حق دخلت انت الاسيوي على بيوتنا وارضنا؟ ومن أعطاك الشرعية أن تنهش كرامتنا وأنت لست إلا مستوطن إن لم نقل مستعمر. كل الأفراد أوالجماعات التي أجبرت على الهجرة تتأقلم مع هوية وثقافة الشعوب المضيفة وتحترم هوية الأرض الحاضنة،إلا العرب جاؤوا بجهاد الطلب ،النهب والسبي. لم ينفع معهم لا قبول الإسلام ولا التعايش. مازالوا يمارسون الغزوعلى الأمازيغ بطرقه العصرية. استعمال الدين في غسل الدماغ ،اللغة في تعريب اللسان، منع الأسماء واللغة… Lire la suite »
اللغة العربية والإسلام هما جزء من ثقافة الإنسان الأمازيغي لاكن لا يمكن تعوض رموز وجوده وجواز سفره بين القوميات الاخرى ، من أرض اجداد اجداده وتاريخه ولغة أمه وموروثه الجيني بأي حال من الأحوال أو تحت أي دريعة سياسية اوعقائدية. مع الأسف الشديد في شمال أفريقيا نعيش شيئ غريب وفريد. لتعيش الانظمة المتحكمة وتستغل الشعوب تم إستئصال هذه عن طريق التعريب الجغرافي والتاريخي والهوياتي باستغلال الدين والسلطة الإعلامية ،التعليمية، القضائية والبوليسية. وهنا مربط الفرس حين نتحدث عن التقدم والديموقراطية. دورالزمان والتطبيل للعروبة لا معنى لهما في تطويرالمواطن مادامت هذه الشعوب منفصلة عن ذاتها ومغيبة وتحت وصاية قومية توسعية لاتبخل جهدا… Lire la suite »