خطاب مفتوح الى مجلس المســتــشــاريـــن بخصوص الأمازيغية


الـســـادة المســتــشــاريــن المــحــترمــيـــن:

أحيانا  يكون سـبب صغير طارئ مؤديا الى وقوع حدث هام وجليل ، بدليل انه بعد تصويت مجلسكم الموقر على تعديل المادة 57 من مشـروع قانون بنك المغرب، بالتنصيص فيها على استعمال الأمازيغية بحرفها (( تيفيناغ )) في الأوراق المالية والنقدية، الى جانب اللغة العربية،

وبعد رفض فرق الأغلبية وحزب الاستقلال المصادقة على هذا التعديل في مجلس النواب ، متعللين في ذلك بذريعة ضرورة صدور القانونين التنظيميين المنصوص عليهما في الفصل الخامس من الدسـتور، قبل الشـروع في أي تفعيل لترسيم الأمازيغية ، ثم بعد قيام فريق التجمع الدستوري بمسانذته للتعديل المقترح من طرفكم ، ومطالبته نتيجة ذلك بإرجاع مشـروع القانون البنكي الى اللجنة البرلمانية المختصة لإعادة مناقشته من جديد عملا بالمادتين 192 و 197 من النظام الداخلي لمجلس النواب ، وأمام خوف فرق الأغلبية من تعطل صدور هذا القانون، فقد اضطرت أخيرا الى إخراج مشـروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل ترسيم وتنمية الأمازيغية من الثلاجة المحبوسين فيها جورا منذ ثمان سنوات ، مقررة عرضهما على الجلسـة العامة لمجلس النواب والمصادقة عليهما ، ادراكا منها أن ذريعتها السالفة الذكر لرفض استعمال الأمازيغية في النقود المغربية ، سيتضرر منها القانون البنكي ، بدخوله  بدوره الى ثلاجة التأخير الباردة الى جانب القانون الأمازيغي ، لذلك سارعت الى الإفراج عن القانونين التنظيميين الآنفي الذكر ، سـعيا منها لضمان صدور القانون البنكي ، وهكذا كان مجرد رفض طارئ لإدماج بعض كلمات امازيغية صغيرة ومحدودة في النقو د، سببا في إدماج هذه اللغة ككــل في جميع مجالات الحياة العامة، ما يدل على صحة مقولــــة : أن سببا صغيرا قد يؤدي أحيانا الى حدث جليــل.

لكن إن كان هذا الإدماج قد  تقرر بأن يكون بحرف ” تيفيناغ “، وبتعديل طفيف لصيغ بعض مواد مشروع قانونه ، ما يجعله في حد ذاته شيئا محمودا استناذا للمثل القائل :  الحصول على نصف الرغيف أفضل من عدمه ، فإن المسـتغرب حقا كيف فات مجلس النواب المحترم أن ينتبه الى بعض الأخطاء الصارخة التي تشـوب القانونين السالفي الذكر ، والتي لا تطعن فحسب في روح الدسـتور ، بل تمـس ايضا بصميم الوحـدة الوطنية ، فضلا عن خلقها مشكلات اجتماعية واقتصادية جمـة ، لا قبل للبلاد والعباد بها ، لذلك والحال أن مجلسكم الموقر بتصويته على تعديل المادة 57 من مشروع قانون بنك المغرب ، كان له الفضل الاكبر في اقرار مجلس النواب للحرف الامازيغي ، بل وفي فك الحصارالطويل عن هذين القانونين ، فاننا نأمل ان يستمر مجلسكم الكريم في القيام بدوره الاصلاحي ، فيقوم بتصحيح الاخلالات الواردة في القانونين المذكورين  استناذا الى المعطيات القانونية والواقعية التالية :

اولا : حول مشروع القانون التنظيمي رقم: 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية : تنص الفقرة الثانية من المادة الاولى من مشروع هذا القانون على ما يلي :

(( يقصد باللغة الامازيغية في مدلول هذا القانون التنظيمي مختلف التعبيرات اللسانية الامازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب ، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة.))

وحيث أن أول ما يعاب على هذا المشروع خرقه الصريح للدستور، على اعتبار ان الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، تجعل اللغة الامازيغية المقصودة بالادماج في التعليم وفي مجالات الحياة العامة ، لغة واحدة  ووحيدة ، موصوفة وحدها بلفظ ” اللغة “ تمييزا لها عن اللهجات الامازيغية المختلفة الموصوفة بلفظ ” التعابير “ ، في حين ان مشروع القانون المعيب  يجعلها على العكس من ذلك لغة متعددة وكثيرة  ، تشمل كل اللهجات الامازيغية المتواجدة في المملكة ، مضافا اليها اللسان المعياري المقرر من طرف المعهد الملكي للثقافة الامازيغية.

وحيث ان كان هذا الخطأ الفادح يشكل في حد ذاته خرقا سافرا للدستور، فانه يشكل كذلك تهديدا للوحدة الوطنية ، من منطلق انه  في الوقت الذي تتوخى فيه بلادنا ان يساهم ادماج اللغة الرسمية الامازيغية الواحدة ،  في تعزيز التلاحم والانصهار الوطني ، على غرار ما تقوم به اللغة الرسمية العربية الواحدة ، وكذا المذهب الرسمي الديني الواحد ، فقد جاء مشروع هذا القانون ليجعل من الامازيغية عاملا للتفرقة والتشتيت والفوضى ، باقراره لكل لهجاتها المختلفة  ، هذا الاقرار الذي يشكل قنابل موقوتة من شانها أن تهدد مستقبلا وحدتنا الوطنية.

والادهى من هذا ان المشروع المعيب لم يخالف فحسب ارادة الدستور في ادماج لغة امازيغية واحدة مفردة في مجالات الحياة العامة ، أو  يخالف كذلك الهدف الاستراتيحي للدولة من اقرارها لهذه اللغة ، المتمثل في تقوية الوحدة الوطنية ، بل خالف ايضا حتى الارادة الملكية التي كرست هذا الهدف الوحدوي للدولة من خلال احداثها مؤسسة واحدة للامازيغية ، هي المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، وذلك بدل احداثها معاهد لهجاتية متعددة في مختلف جهات المملكة ، هذه الارادة الملكية المعبر عنها صراحة في ديباجة ظهير احداث هذا المعهد  بما يلي :

” واقتناعا من دولتنا الشريفة بأن تدوين كتابة الامازيغية سوف يسهل تدريسها وتعلمها وانتشارها ، ويضمن تكافؤ الفرص أمام جميع أطفال بلادنا في اكتساب العلم والمعرفة ، ويساعد على تقوية الوحدة الوطنية.”

هذا وبالاضافة الى هذه العيوب القانونية ، فان تطبيق هذا القانون تكتنفه صعوبات واقعية وعملية كثيرة  ، تنعكس سلبياتها الوخيمة على الحياة المجتمعية وعلى واقعنا الاقتصادي ، أهمها ما يلي :

1)   – ان هذه المادة الاولى تطرح اشكاليات عويصة  تجعل مضمونها مستحيل التطبيق ، ذلك انه في مجال التعليم مثلا فانه بمقتضاها سيكون رجل التعليم في مدارسنا الوطنية ملزما بتعليم التلاميذ كل التعبيرات  الامازيغية المتداولة في مختلف مناطق المغرب ، مضاف اليها المنتوج اللسني للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، وسيكون الكتاب المدرسي متعددا  يساوي عدد التعبيرات السائدة ،  أي صادرا بجميع تلك التعبيرات ، كما سيكون كذلك كل تلميذ ملزما بتحميل محفظته بكل كتب التعابير الامازيغية المقررة ، ما يزيدها ثقلا على ثقلها الحالي ، أما الادهى من هذا فسيكون على التلميذ لكي ينجح في الامتحان ان يكون مستعدا للاختبار في كل التعبيرات الامازيغية السالفة الذكر.

2)   – انه اذا افترضنا جدلا ان المقصود من تلك المادة  ليس تعليم كل التعابير الامازيغية لكل التلاميذ المغاربة ، بل المقصود منها فقط اقتصار كل منطقة في المغرب بتعليم اللهجة الامازيغية السائذة فيها ، فان هذا الامركذلك ، على ما فيه من عيب تكريس التقسيم اللهجاتي ، يطرح بدوره مشكلا اجتماعيا عويصا يكمن في توقف  الكثير من التلاميذ عن متابعة تعليمهم ، وبالتالي تعريض حياتهم للضياع ، على اعتبار ان اضطرار بعض العائلات – بسبب ظروف العمل او التجارة – للانتقال من منطقة لهجاتية معينة ، الى منطقة لهجاتية اخرى مختلفة ، سيؤدي بأطفالهم حتما الى مغادرة المدرسة بسبب العجز عن مواصلة الدراسة ، لاختلاف اللهجة الامازيغية المعتمدة في منطقتهم الاصلية ، عن اللهجة المعتمدة في المنطقة التي انتقلوا اليها ، بمعنى ان التعليم بالعربية وبالفرنسية ان كان لا يخلق للناس هذه المشاكل بسبب تعليم الاطفال لغة عربية واحدة وكذا لغة فرنسية واحدة اينما حلوا وارتحلوا ، فان التعليم بالامازيغية على العكس من ذلك  سيتسبب نتيجة تعدده وارتباطه بالمكان اللهجاتي الخاص، في ضياع مستقبل اولاد الناس  ، ما يجعل هؤلاء الناس محقين في التذمر منه.

3)   – انه كما سيؤدي هذا القانون الى خلق  فوضى عارمة في التعليم ، فسيقوم كذلك بخلقها في مجالات الحياة العامة الاخرى ، بمعنى ان دولتنا ستغرق بموجبه  في عملات وطنية متعددة ومختلفة صادرة بمختلف التعابير الامازيغية ، وستضطر القطارات مثلا أن تديع اشاراتها الصوتية بالعربية والفرنسية وبكل التعابير الامازيغية المنصوص عليها في  المادة الاولى من مشروع هذ القانون ، وستختلف الاوراق الادارية وعلامات التشوير في مناطق المغرب ، وسيعرف مجتمعنا بدون شك  مشاكل اخرى غير هذه ، الله وحده هو الذي يعلم تعدادها وعواقبها.

ومما يعاب ايضا على مشروع هذا القانون التنظيمي انه اقتصر في مذكرته التقديمية ، على تحديد وظيفة الامازيغية في هدف واحد ووحيد فقط هو :  التواصل ، مخالفا في ذلك  الدستور الخالي من أي نص يربط الامازيغية بهذه الوظيفة وحدها.

لذلك لما كان الدستور قد سكت عن تحديد وظيفة معينة للامازيغية ، فمعنى ذلك انه قصد ان تكون وظيفة الامازيغية كاملة غير منقوصة ، أي تشمل التواصل ، والتنمية ، وتقوية الوحدة الوطنية ، والمساهمة في  تطوير المجتمع ، وتأكيد الخصوصية الهوياتية الوطنية ، وغير ذلك من الوظائف المتعلقة عادة باللغات الرسمية.

ويعاب عليه كذلك انه في الوقت الذي يعتبر فيه تدريس اللغة العربية حقا  وواجبا في نفس الوقت بالنسبة لعموم المواطنين كيفما كانوا وأينما كانوا ، فان القانون المنتقد في مادته الثالتة اقتصر على جعل تدريس اللغة  الامازيغية  حقا فحسب ، دون أن يجعله واجبا  كذلك.

وعليه لما كان الدستور ينص على اعتبار العربية والامازيغية لغتين رسميتين معا بدون تمييز ، فان القانون المعيب بحرمانه الامازيغية من واجب تدريسها ، يكون مخالفا لاحكام تصدير الدستور التي تنص على حظر ومكافحة كل اشكال التمييز بسبب اللغة ، ما يجعل المادة الثالتة  تستوجب التعديل.

ثانيا : حول مشروع القانون التنظيمي رقم :  04.16  المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية :

حيث تقضي المادة 50 من هذا القانون على حلول المجلس الوطني للغات ، محل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية في كافة حقوقه والتزاماته ، مخالفة في ذلك للدستور الذي لم ينص قطعا على هذا الحلول ، أوعلى الغاء  المعهد الملكي للثقافة الامازيغية من الوجود.

وحيث ان السبب الذي دفع واضعي هذا القانون الى اقرار الغاء المعهد الملكي وحلول المجلس الوطني للغات مكانه ، هو اعتقادهم الخاطيء بان لفظة : ” يضم “ الواردة  في الفصل الخامس من الدستور تدل على الانصهار وعلى الاندماج الكلي ، في حين أن الدستور نفسه لا يقضي بذلك  بدليل ان الفصل 53  منه والمتعلق باحداث المجلس الاعلى للامن ، نص هو ايضا على لفظة “يضم “ ، ومع ذلك فان المؤسسات والشخصيات المتركبة منه ،  كرئيس الحكومة ،  ورئيس مجلس النواب ، ورئيس مجلس المستشارين ، وغيرهم ، ظلوا جميعا محتفظين بحقوقهم وبالتزاماتهم وباستقلاليتهم ، ولم يثبت الغاء وجودهم  وحلول المجلس الاعلى للامن مكانهم .

لذلك قياسا على ما جرى به  العمل في الفصل 53 المذكور ، فان المعهد الملكي للثقافة الامازيغية رغم تنصيص الفصل الخامس من الدستور على انضمامه الى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، يظل بدوره محتفطا بحقوقه وبالتزاماته واستقلاليته عن هذا المجلس ، ما يجعل المادة 50 من مشروع هذا القانون بعيدة عن الفهم الصائب لمقتضيات الدستور.

لهذه الاسباب

استناذ للمبدأ الذي يقضي بأن أسعد الشعوب هي التي تنعم بأفضل القوانين وبأفضل تطبيق لها ، ولما كان شعبنا قد حصل بالاستفتاء العام على قانون دستوري فاضل يضمن للامازيغية حقها في البقاء وفي النماء ، فاننا بكل تواضع لنرجو من مجلسكم الموقر ان يعمل على تصحيح مشروعي القانونين التنظيميين المنصوص عليهما في الفصل الخامس من الدستور، بما يتيح ان يكونا في المستوى الجيد المطلوب.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments