الأمازيغية بين أمواج المد والجزر


ما تزال واجهات المحلات تكتب إلى حدود اليوم باللغتين العربية والفرنسية دون أي احترام للدستور، هذا الدستور الذي مرت على إقراره عشر سنوات، يظل اليوم حبرا على ورق، وما تزال التكليفات التي منحت لأساتذة المزدوج من أجل تدريس اللغة الأمازيغية تُسحب كل سنة، لتذهب معه جهود المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تكوين هذه الأطر سدا، وتضيع معه الميزانيات المرصودة لذلك من المال العام، بل أصبح لزاما على هؤلاء المكلفين التخلي عن تدريس اللغة الأمازيغية شرطا أساسيا من أجل الاستفادة من الحركة الانتقالية، وهو ما يضعنا أمام وضع عبثي يدعونا للتساؤل عن أسباب هذه التراجعات المستمرة، التي يعرفها ملف تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب.

لقد مر على دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي ما يزيد عن عقد من الزمن، ما يعني عشر سنوات من إقرار الدولة بضرورة المساوات بين اللغتين العربية والأمازيغية، رغم أن المنطق التاريخي يستدعي منح ملف الأمازيغية الامتياز الإيجابي، باعتبارها هُمشت لقرون، إلا أنها (الأمازيغية) بقيت تتدحرج بين سياسات الحكومات المتعاقبة، ما جعلها رهينة لأمواج المد والجزر السياسية، هذا الجزر الذي غلبت عواقبه اليوم جل إنجازات مد الأمس.

هذا، إضافة إلى ما يعرفه ورش تدريس اللغة الأمازيغية من عشوائية واستنزاف لموارده البشرية، هذا الاستنزاف الذي تعمل من خلاله الوزارة الوصية على دفع أساتذة الأمازيغية للتنازل عن تدريس الأمازيغية مقابل نيل الترقية، عبر إدماجهم في التعليم الثانوي وتكليفهم بتدريس الرياضة أو الفرنسية عوض الأمازيغية، ما يُشكل ضربة واستنزافا للموارد البشرية المُكَوَّنَةِ في مجال تدريس الأمازيغية، خصوصا إذا علمنا، أن هذه الأطر من حاملي الشواهد العليا في مجال الأمازيغية لغة وثقافة، غير أنهم يُبعدون قسرا عن مجال تخصصهم، بمبرر عدم تواجد اللغة الأمازيغية بهذه المستويات، وهو ما يطرح تساؤل آخر عن أسباب تأخر تنفيذ مخطط تدريس اللغة الأمازيغية في مستويات الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي؟

كما أن من بين أهم العراقيل التي تواجه ملف تدريس اللغة الأمازيغية، هو الفراغ الموجود في المذكرات المنظمة لهذا الملف، ناهيك عن غياب قاعات خاصة لتدريس الأمازيغية، مما يفرض على أساتذة اللغة الأمازيغية التنقل بين القاعات، ما يخلق بدوره إشكاليات أخرى متعلقة بكيفية استغلال الفضاء (الصبورة، جدران القاعة..)، بحيث أن من العبث التربوي تدريس الأمازيغية في فضاءات خاصة بتدريس اللغتين الفرنسية والعربية، لِما للفضاء من أهمية في إنجاح العملية التعلمية، وهو ما يشكل عائقا ومشتتا لذهن المتعلم، وهو ما يستدعي توفير قاعة خاصة لتدريس اللغة الأمازيغية.

إن تدريس أبناء الجالية المغربية بديار المهجر لهو لبنة أساسية للحفاظ على الروابط الثقافية واللغوية للمهاجرين المغاربة، وهو ما تواصلت على فعله وزارة التربية الوطنية منذ مدة، إلا أنها قد قامت بإقصاء أساتذة اللغة الأمازيغية، باعتبار هذه الأخيرة مكونا أصيلا من مكونات الهوية الوطنية، وباعتبارها (الأمازيغية) أيضا اللغة الأصلية لجزء كبير من الجالية الأمازيغية بالمهجر، إلا أننا نتساءل باستغراب عن سبب هذا الاقصاء؟

أما التخبطات التي يعرفها سلك التعليم العالي، فلا تقل هي الأخرى عن الملفات السالفة الذكر، حيث لا وجود لمختبرات متخصصة في مجال الأمازيغية داخل أسلاك الدكتوراه بالجامعات المغربية إلى حدود اليوم، وهو ما جعل خريجي مسلك الماستر دون أي أفق يفتح أمامهم أبواب البحث العلمي الأكاديمي، إضافة إلى غياب تدريس الأمازيغية كمادة تكميلية، على غرار المواد التكميلية مثل الإنجليزية والإسبانية، وهو ما يشكل ضربا مباشرا في مبدأ ضرورة إدماج الأمازيغية أفقيا وعموديا بالتعليم.

إن العبث الذي يتخبط فيه ملف تدريس اللغة الأمازيغية، يتجاوز كل ما ذكرناه، ليأخذ أبعادا طبقية أيضا، ففي الوقت الذي يتم فيه تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس العمومية، ما تزال المدارس الخصوصية تسير خارج السرب، وخارجة عن دستور ما قبل سنة 2011، وعن القوانين المنظمة لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية التي صادق عليها البرلمان، بل إن هذه المؤسسات الخصوصية لا تُدرج اللغة الأمازيغية حتى في واجهاتها، باعتبارها لغة رسمية للبلاد، وهنا نتساءل أيضا : هل أصبحت المدارس الخصوصية تعمل خارج الدستور ؟ أم أنها فوق القانون؟

ما ذكرناه في هذه سالفا، ما هو إلا غيض من فيض، عن حجم العبث الذي يعرفه ملف الأمازيغية بالمغرب، رغم مضي أكثر من عشر سنوات عن دسترتها، ومضي ما يزيد عن عقدين من الزمن عن خطاب أجدير، الذي تأسس على إثره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، من أجل النهوض بهذه الأخيرة لغة وثقافة، باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الهوية الوطنية، ورغم أن القوانين التنظيمية الصادرة سنة 2019 تقر بحق تعلم اللغة الأمازيغية لجميع المغاربة بدون استثناء (حسب المادة الثالثة من الباب الثاني من القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية)، إلا أنها ما تزال ضحية لغياب إرادة سياسية حقيقية، من أجل تحصين هذا المكون الأصيل من تراثنا الوطني.

إن غياب الإرادة السياسية لهو السبب الرئيسي في إقصاء اللغة الأمازيغية من الأوراق النقدية، وفي البطاقات الوطنية، بل وغيابها أيضا في كل أشكال التظاهرات الرياضية، من أقمصة الفرق الرياضية سواء في المحافل الوطنية أو الدولية، ناهيك عن غياب اللغة الأمازيغية المثير حتى في الزي الرسمي لرجال الأمن بكافة أصنافهم، ما هي إلا دليل قاطع عن غياب هذه الإرادة.

بقلم إبراهيم الكبوسي

أستاذ اللغة الأمازيغية


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments