ضعف اللغة وقوتها مرتبطان بأهلها.. ولا علاقة لذلك بالقدسية


اللغة العربية هي لغتنا الرسمية كما الأمازيغية هي لغتنا الرسمية مع ميزة انها لغة الأم، نتمنى للغتين أن تتبوءا مكانتيهما اللائقتين بهما في بلدنا المغربي، وأن لا تستغل إحداهما دينيا لضرب الأخرى.

إلى المؤدلجين:

اللغة هي فقط وعاء، لا قدسية لها، مثلها مثل أي كائن حي، تحيى وتموت، وتعود إلى الحياة بإرادة أهلها أو دولتها (هذا هو قانون الحياة).

تضعف اللغة بمقدار ضعف أهلها، وتقوي وتعظم قيمتها بمقدار قوة أهلها، كما تزول بزوال أهلها أو تركهم لها، فلا فرق بين اللغات، ولا فرق بين اللغات وبين اللهجات علميا، فيمكن أن تتحول لهجة ما إلى لغة (الفرنسية، الإنجليزية… كانتا لهجتين)، أما ايديولوجيا فيمكن لأي كان أن يقول ما يريد حسب هواه الأيديولوجي.

ما معنى قدسية اللغة؟ هل يمكن لكتاب مقدس أن يعطي للغة التي نزل بها او كتب بها قداسة لتصبح هذه اللغة مقدسة؟ وإذا كانت اللغة التي تحمل الكتاب المقدس مقدسة فلماذا تحمل المدنس، فالمقدس لا يحمل المدنس، لأن المدنس سيدنس قدسيتها، يقول أبو نواس في إحدى روائعه:

ألا اسقيني خمرا وقل لي هي الخمر…

ومن يقرأ شعر الخمر وشعر الغلمان وشعر المجون… في الشعر العربي وكتب الجنس “رجوع الشيخ إلى صباه” و”الروض العاطر”، سيتساءل هل اللغة التي تحمل كل هذا المجون هي لغة مقدسة؟ فكل الثقافات والآداب الإنسانية تعرف هذا النوع من أدب المجون وليس خاصا بلغة ما أو بشعب ما.

اللغة لغة إنسانية وليست إلاهية، فكل دين يعتقد معتنقوه أن لغته لغة إلاهية مقدسة لأنها تحمل كتابهم المقدس.

فاليهود يعتبرون لغتهم التي نزلت بها التوراة لغة إلاهية ومقدسة، وكذلك بالنسبة للغة التي نزل بها أو كتب بها الإنجيل، وكذلك بعض المسلمين يرون في لغة القرآن لغة مقدسة، بل ويحملونها إلى العالم الآخر ليجعلوها لغة أهل الجنة.

إن أية لغة في هذا العالم البشري هي لغة بشرية وليست إلاهية، لسبب بسيط لأن اللغة هي فقط وعاء، (“أزگي ن شيخ” أي ماعون الولي، وهذا له قدسية عند الناس المومنين بقدسية الولي، فالولي عند الناس هو الذي يعطي لـ “أزگي” اي الوعاء هذه القدسية، لكن أزگي هو مجرد “أزگي” أي وعاء يسري ما يسري عليه من قوانين الحياة أي أنه سينكسر وسيبلى عاجلا أو آجلا ولن يحميه الولي ولا قدسيته، وهذا هو قانون الحياة والكون).

بالنسبة للذين يؤدلجون اللغة العربية ويغلفونها إيديولوجياتهم السياسية أو الدينية أو العرقية، القرآن يناقض ما يدعون إليه، فلنتأمل آياته.

كيف كان القرآن الكريم قبل نزوله؟ هل هو عربي؟ الأيديولوجيات العرقية قديما وحديثا منها القومية العربية والإسلامية أجابت وما زالت تجيب بنعم، لكن القرآن يقول لهما “لا تقف بما ليس لك به علم” الإسراء، 36 .

فالآيات القرآنية تجيب وترد على هذا السؤال:

“فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا” سورة مريم 97.

“إنما يسرناه بلسانك لتنذر به المتقين” الدخان، الآية 58.

“وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم” إبراهيم، 4.

فكيف كان القرآن قبل نزوله؟ وبأي لغة؟ العلم عند منزله، فالآيات تجيب عن ذلك “إنما يسرناه بلسانك..”، والتسيير في هذه الآيات مرتبط بلحظة نزوله أي أنه مرتبط بالدنيا وهذا تفسره الآية الثالثة: “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه'”.

فقبل أن ييسره الله ليفهمه الذين أرسل بلسانهم كيف كان؟ القرآن لا يجيب، ومن يقول غير ذلك فهو يناقض ما ورد في هذه الآيات القرآنية .

فلو كانت اللغة إلهية فستبقى على حالها (مثل الكتاب المقدس) فلن تقبل التطور ولا التغيير ولا الحذف ولا الزيادة ولا النقصان ولا الاقتباس من غيرها من اللغات الأخرى (التلفزة، الميكانيك، الأيديولوجيا، الجيولوجيا، الفلسفة، الفرامل، الطربوش، التلميذ، الأستاذ، الكناش.. الواتساب، الانترنت…)، فلو كانت مقدسة لأنها تحمل كتابا مقدسا فلن تكون بهذا الضعف الذي نراه اليوم.

ولكن ما هو سبب ضعف اللغة أو قوتها؟ السبب مرتبط بقوانين الطبيعة التي تسري على الكل، فضعف اللغة وقوتها مرتبطان بأهلها فكلما ارتقى أهلها في مدارج الحضارة والعلم كلما ارتفعت لغتهم، وكلما ضعفوا ضعفت لغتهم. هذا هو قانون الحياة وقانون التاريخ ولا علاقة له بالقدسية ولا بقدسية ما تحمله، فلا فرق بين اللغات. الإنجليزية الآن هي لغة التطور والعلم بسبب تطور دولتها وأهلها علميا وتقنيا وحضاريا وليس بسبب آخر يتعلق بخصوصيتها كلغة.

فعندما تقدم المسلمون في العصور الغابرة تقدمت معهم اللغة العربية التي كتبوا بها فأصبحت آنذاك لغة مهيمنة في عصرها وانتقلت من لهجة قريش إلى لغة العلم في عصر تقدم العلوم عند المسلمين في العصر العباسي وفي الأندلس والمغرب (ابن خلدون، ابن رشد، عباس بن فرناس، ابن زهر، القاضي عياض, البوصيري، اليوسي…)، ثم ضعفت اللغة العربية منذ الاحتلال العثماني أي منذ القرن الخامس عشر الميلادي بسبب إهمال العثمانيين الأتراك لها لأنهم اتخذوا اللغة التركية اللغة الرسمية لإمبراطوريتهم الواسعة…


1 Commentaire
Inline Feedbacks
View all comments
سوس. م. د

كمغربي وبما أن اللغة العربية لغة أجنبية آسيوية غريبة عن سمعي، احتك بها إجباريا لأول مرة في المدرسة. بعد الإنتهاء من الدراسة ، أجد نفسي لفهم معاني الكلمات، مضطر المرورعبر الفرنسية لفهم الكلمات العربية (لأن لغتي الأم الأمازيغية وضعها التعريبيون في قفص حديدي). إلى جانب هذا هناك دراسات بين سكان شمال أفريقيا تؤكد أن 98 في المئة منهم لا يستطيع تكوين جملة واحدة سليمة باللغة العربية. كل هذا يؤكد أن صعوبة اللغة العربية هو مرآت تعكس البعد الجغرافي والتاريخي و الحضاري بيننا وبين العرب. فوق هذا نلاحظ براعة الطلبة من شمال افريقيا ، الكتاب والنخبة السياسية في الفرنسية و الإسبانية… Lire la suite »