إقبار الأمازيغية: “المخطط السري”


في تصريح لرئيس الحكومة لأحد المواقع الصحفية، قال؛ إن حكومته ستخلق في السنة المقبلة من خلال مشروع الميزانية العامة لسنة 2023 ما يناهز 50 ألف منصب، وبعد اطلاعنا على نص المشروع، فعلا وجدنا أزيد من 48 ألف منصب شغل. فيها حوالي 20 ألف منصب شغل موجهة لقطاع التعليم فقط. ومن خلال هذا الرقم الكبير أي 50 ألف منصب، نجد فقط 400 منصب شغل هو المخصص للأمازيغية، وبالضبط للأساتذة تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الابتدائي. وهو ما يعني أن الحكومة الحالية خصصت للأمازيغية ما نسبته 0,08%. وهذا رقم ضعيف جدا، ينم عن النوايا الحقيقية لهذه الحكومة تجاه الأمازيغية، وهي نوايا تكرس الجمود والنكوص، وبعيدة كل البعد عن روح الدستور، ومضامين القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للاغة الامازيغية 26/16، والذي وضع التعليم على رأس الأولويات، بل القانون التنظيمي ينص على التعليم كقطاع أساسي وضروري لإدماج الامازيغية، ونلاحظ ذلك من خلال تسميته، فهو يسمى : “القانون التنظيمي رقم 26/16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية”. وجاء في المادة الثالثة من الباب الثاني المخصص لإدماج الامازيغية في التعليم، ما يلي: “يعد تعليم اللغة الامازيغية حقا لجميع المغاربة بدون استثناء.” فهل ستلتزم الحكومة بهذه البنود أمام اقصائها للأمازيغية في مشروع الميزانية؟

بالرجوع إلى مشروع الميزانية العامة للدولة نجد أن الحكومة لم تبرمج ميزانية كافية للأمازيغية سواء في التعليم أو في الاعلام أو القضاء أو الثقافة ونفس الشيء في القطاعات الأخرى. ف 400 منصب لتدريس الأمازيغية رقم لا يساوي شيئا أمام 50 ألف.
ماذا يعني هذا الرقم؟ يعني أن الحكومة تسعى إلى إقبار الامازيغية ومحاصرتها داخل المجتمع وداخل مؤسسات الدولة والفضاءات العامة، والاستمرار في سياسة التعريب، والمزيد من الفرنسة، وحتى شعار الإنكليزية الذي ترفعه هذه الحكومة وخاصة وزيرها بنموسى الذي درس في فرنسا واشتغل سفيرا للمغرب بها حوالي 10 سنوات، ما هو إلا شعار تضليلي للتغطية على اهمال الامازيغية والقفز على حقوقها الدستورية.

أما بعد ظهور الإعلان عن مباراة توظيف الأساتذة “الذين فرض عليهم التعاقد” فقد تبين الخيط الأبيض من الأسود، وأفصحت الحكومة عن نواياها الحقيقة تجاه الأمازيغية ليس في تفعيل ترسيم الأمازيغية، وإنما في تجميد الترسيم، وفرملة مسار المأسسة الذي بدأ منذ سنة 2003. وهذا مال يجعلنا نشك صراحة في وجود “مخطط سري” غير معلن لإبادة الأمازيغية في المدرسة العمومية وتحجيم مساحاتها وتقليص حجراتها وأقسامها، وذلك؛ حين أجبرت الأساتذة المتخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية على الاختبار في المواد التي يختبر فيها أساتذة “التخصص المزدوج”. وهو ما يعني أن الوزارة تستعد لتطبيق مخطط خطير هو نهاية “الأستاذ المتخصص” في تدريس الأمازيغية، وأن أستاذ اللغة الأمازيغية هو مشروع أستاذ “التخصص المزدوج” كما يمكن له أن يتحول من تدريس الامازيغية إلى تدريس العربية والنشاط العلمي والفرنسية، وغيرها من المواد الأخرى في أي لحظة، وهذا يعني أيضا أن الوزارة تتعامل مع اللغة الأمازيغية باستخفاف كبير، وهذا المخطط هو قديم، سبق للوزير المرحوم “محمد الوفا” أن قام بإلغائه بعدما أن اتضحت عدم فعاليته، كما أنه مخطط يكرس التمييز اللغوي والثقافي داخل المدرسة المغربية.

إن هذه الحكومة وهي تسير في نهج الحكومات السابقة التي تقدس العروبة والفرنسة، تريد أن ترسل إشارات ورسائل واضحة للشباب والطلبة والتلاميذ، تخبرهم عن عدم الجدوى من اختيار شعبة الدراسات الامازيغية بالجامعات المغربية والتخصص فيها، لأنها لغة ليست لغة الدولة، وليست لغة المؤسسات وليست لغة الوظيفة، وليست لغة المستقبل، وليست لغة العلم، وليست لغة الاعلام، وليست لغة الكتابة وليست لغة المدرسة، ثم أخيرا ليست لغة الخبز… هذه هي الرسائل التي تريد حكومة أخنوش أن تبعثها لعموم الطلبة والشباب، وتجبرهم على اختيار التخصص في مواد أخرى ولغات أخرى التي تضمن لهم المستقبل، والتي تخصص لها الحكومة من ميزانية الدولة آلاف المناصب والمقاعد…

ولممارسة التضليل والشعبوية والنفاق السياسي أمام الرأي العام والدولي، بكون الحكومة المغربية لا تمارس التمييز اللغوي والثقافي ضد الأمازيغية، وكذلك لإسكات الأصوات الغاضبة من داخل الحركة الأمازيغية التي لم ترضخ لآلية المال والاستقطاب الانتهازي، طرحت الحكومة مقترحا غريبا، فيه الكثير من التقزيم والتحجيم لمكانة الامازيغية كلغة رسمية في الدستور، وكلغة وطنية الأقدم في المغرب، لغة الأرض والشعب والتاريخ، والتي من المفروض أن تحظى لنوع من التمييز الإيجابي من قبل الدولة، هذا المقترح هو، تشغيل أعوان موسميون عن طريق المناولة في مراكز الاستقبال داخل المؤسسات العمومية في قطاعي العدل والصحة، لمرافقة المرتفقين الأمازيغيين داخل هذه الإدارات. وهذه خطوة عبثية ومجحفة في حق اللغة الامازيغية وتشوه مسار مأسستها ومسارات تفعيل ترسيمها في الدستور كلغة رسمية للدولة. كما إنه يعد إجراءً يكرس الهشاشة الاجتماعية والثقافية واللغوية، يزيد من احتقارها، والتنقيص من مكانتها. وتأتي هذه السياسية التي تقوم الحكومة على انزالها في حق الامازيغية، وهي سياسة “الأعيان الموسميون” بعد إلغاء مجلس النواب لمباراة توظيف الملحقين الإداريين المتخصصين في الترجمة النصية والفورية من وإلى الأمازيغية بعد اجتياز المترشحين للمباراة، وتم إلغائها بدون مبرر قانوني وبدون سابق إنظار، وهي سابقة في تاريخ مجلس النواب وفي تاريخ الوظيفة العمومية المغربية.

ونستشف من خلال هذه الإجراءات، ما يلي:

  • ارتباك الحكومة ومجلس النواب فيما يخص تفعيل وتنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛
  • عدم تملك الحكومة وباقي المؤسسات العمومية لرؤية واضحة لتطبيق الدستور وتفعيل ترسيم الأمازيغية؛
  • استخفاف كبير باللغة الأمازيغية واحتقارها بشكل مقصود، عن طريق استبدال الموظفين الإداريين ب”الأعوان الموسميون”؛
  • اعتبار اللغة الامازيغية، لغة لتكريس الهشاشة والهامشية، عوض أن تكون لغة الوظيفة والدولة ولغة بناء المستقبل.

غير أن الحزب الذي يقود الحكومة، وهو يتراجع عن وعوده ويتنكر لتعهداته التي أبرمها مع نفسه وأمام الرأي العام، للنهوض بالأمازيغية وتفعيل الترسيم وتنزيله تنزيلا حقيقيا ومؤسساتيا، وهو يتمادى في انكاره للأمازيغية، أطلق العنان لبعض التنظيمات التي تم فبركتها مؤخرا، واثناء حملته الانتخابية والتي استقطب فيها بعض الامازيغيين والأمازيغيات، وبعض النشطاء المعروفين إعلاميا، لممارسة التضليل الإعلامي وتعويم النقاش، أمام الرأي العام وأمام الحركة الأمازيغية، وتلمييع صورة الحكومة والتهليل بما تقوم به في اطار تفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية، وتحويل إجراءاتها الصفرية من “الصفر” التي لا توجد أصلا في الواقع، إلى منجزات صورية عن طريق اللعب بالأرقام، والحديث عن “صندوق الأمازيغية” الذي يبدو أنه يشبه صناديق عيساوة ساحة جامع الفنا بمراكش. كما فعله ناشط أمازيغي معروف أثناء تصريح حماسي عقب مشاركته في الجامعة الصيفية لشبيبة أخنوش بمدينة اکادير، قائلا أن حكومة أخنوش تقوم بتنزيل حقيقي لترسيم الأمازيغية في الدستور، ويتحدث كأنه ناطق رسمي للحركة الأمازيغية، وهو يقول نحن مرتاحون جدا لما يقوم به رئيس الحكومة في تنزيل الترسيم…وغيرها من التصريحات الكاذبة والمنافقة لهذ “الناشط الامازيغي المهووس بالظهور الاعلامي”. ونفس الشيء تقوم به بعض التنظيمات الورقية المحدودة جدا تنظيما وفكريا وميدانيا، والتي تم فبركتها عن طريق “كوكوط مينوت” للدفاع عن الحكومة وخاصة عن الحزب التي يترأسها، فقد تم تكليفها بالتغطية الإعلامية عن إخفاقات الحكومة في ورش الأمازيغية، تصدر بيانات قصد نشرها في الاعلام مستغلة تراجع وفتور التنظيمات الجمعوية الأمازيغية، لممارسة التضليل باسم تنظيمات أمازيغية صوريه، تحول إخفاقات رئيس الحكومة إلى نجاحات وهمية في حق القضية الأمازيغية. رأينا ذلك في رأس السنة الأمازيغية التي فشل الحزب المعلوم في ترسيمه كيوم وطني ويوم عطلة بعد أن وعد به سابقا، وكذلك في الكثير من القضايا، آخرها غياب ميزانية خاصة وكافية للأمازيغية في مشروع الميزانية 2023، فعوض أن يتم مراسلة الحكومة المسؤولة عن ذلك، بحكم أنها هي من تنجز مشروع الميزانية، ظهرت مذكرات غريبة تراسل الفرق البرلمانية في مشهد كاريكاتوري ومضحك، دون أن يتم الإشارة ولو بحرف واحد وبالأحرى كلمة، عن مسؤولية الحكومة التي أنجزت المشروع أقصت فيه الامازيغية اقصاءً مؤلما… مما سيدخل الأمازيغية في نفق مظلم.

إن الاختلاف في التصورات داخل الحركة الأمازيغية، أمر محمود، ودخول بعض النشطاء إلى الأحزاب ليس بجديد في تاريخ الحركة الأمازيغية التي تعرف جيدا مساراتها ومسارات رجالها ونسائها، لكن أن تتحول الفعاليات الامازيغية التي استقطبتها الأحزاب الإدارية، إلى قفاز شوكي يدافع عن الإخفاقات الحكومية لتلك الأحزاب، ويحولها إلى انتصارات وهمية، تلميعا للحزب، فذلك أمر خطير ومذل، يضر كثيرا بالحقوق الأمازيغية والمطالب التي يدافع عنها الأجيال من المناضلين، وضحوا من أجلها الشهداء والمعتقلين…

نحن، لا نقوم إلا بتحليل المعطيات والأرقام والإجراءات الملموسة والرسمية، ولا نقوم إلا بتحليل السياسيات العمومية التي تعلن عنها الحكومة الحالية في ورش تنزيل وتفعيل ترسيم اللغة الرسمية في الدستور باعتبارها لغة رسمية للدولة… في احترام تام للمسافات… ولا يمكن أن تتحول الحركة الأمازيغية إلى مرتع سياسي وانتخابي يمارس فيه حزب من الأحزاب نزواته الانتخابية….

مجمل القول، هذه الحكومة هي حكومة التراجعات عن المكتسبات المحققة للامازيغية في السنوات الماضية، وهي حكومة تعيش فيها الحقوق الامازيغية النكوص والتقهقر والاضمحلال…


1 Commentaire
Inline Feedbacks
View all comments
سوس م. د

سقطت عنهم ورقة التوت.اربعة اشخاص يتحكمون في القرارات وراء الستار. يضعون الخنانانيش والنماميس في الواجهة. التعريب الهوياتي وتحييد الأمازيغية من التداول اليومي هوالمشروع الأكبرعلى الإطلاق الذي لم يعرف أزمة أو تراجع بشمال أفريقيا. عرب البترول والكراسي بالشرق الأوسط والعرب الموريسكيون الهاربين من الأندلس الحاكمين بشمال إفريقيا يغذون بعضهم البعض ليصبحوا أوصياء على شمال أفريقيا أرضا و شعبا. ما نعيشه ليس تقصير في تطبيق الدستور بل مؤامرة مكتملة الأركان ضد الأمازيغية و محاولة نزع الشرعية الوطنية عن الشعب الأصلي. يجب اسقاط عمامة العروبة في الوحل . شعوبنا لن تنفعها الاحتجاجات الخبزية بل ثورات مستمرة وعصيان مدني ومقاطعة عجائب القومجيين العرب التعريبية.… Lire la suite »