تماطل الحكومة يرافق تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمغرب


مَضت ثمان سنوات على إقرار الأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011، لتستجيب الدولة، بذلك، لمطلب الحركة الأمازيغية التي طالما نادت بجعل الأمازيغية لغة رسمية. لكنّ الحماس الذي واكَب عملية الترسيم سرعان ما خَبا، بسبب تأخر إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.

وبعد انتظار دامَ ثمانَ سنوات كاملة، صادق البرلمان على القانون التنظيمي المذكور، غيْر أنه في نهاية الدورة التشريعية الماضية لم يكن في مستوى تطلعات الحركة الأمازيغية، لكون المشرّع المغربي، وقبْله الحكومة، لم يأخذا بتوصياتها التي تضمنتها مذكرات رُفعت إليهما.

في هذه الورقة نستقي آراء فاعلين في الشأن الأمازيغي، حول تقييمهم لحصيلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بعد ترسيمها في دستور المملكة، وسنتوقف، كذلك، عند أبرز العراقيل التي تحول دون تحقيق هذا المبتغى، الذي توافقت عليه مكونات المجتمع المغربي، سنة 2011، وإن وصل تفعيل القانون التنظيمي الذي تم انتظار إخراجه إلى حيز الوجود طويلا.

حصيلة مُحبطة

لا يُخفي أحمد عصيد، الناشط الأمازيغي، أن حصيلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية مُحبطة إلى حد الآن، ويعزو سبب ذلك إلى كون الدولة اعترفت بالأمازيغية، وتم ترسيم هذا الاعتراف بشكل مكتوب، في دستور المملكة، “لكن لم يتحقق شيء على مستوى الممارسة، لأن الفاعلين المناط بهم تفعيل هذا الترسيم ظلوا ينتظرون صدور القانون التنظيمي”.

وذهب رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات إلى القول إن الأمازيغية لم تتقدم إلى الأمام، بعد ترسيمها، بل طالتها تراجعات كثيرة، على مستوى التعليم والإعلام وفي مجالات أخرى، مضيفا: “المسؤولون استخفّوا بهذا الموضوع وجعلوا من القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية مشجبا لعدم وفائهم بمقتضيات الدستور”.

الإحباط نفسُه الذي طبع كلام أحمد عصيد عبّر عنه رشيد الحاحي، المنسق الوطني للتنسيق الوطني الأمازيغي، بقوله إنّ رصْد حصيلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية منذ المصادقة على دستور 2011 وبعد نشر القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية شهر شتنبر الأخير، “يؤكد، للأسف الشديد، أن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الحياة اليومية والممارسات الملموسة للمؤسسات والإدارات والحياة العامة الوطنية منعدم، رغم بعض المبادرات التي لم يكن لها أثر”.

ويرى الحاحي أن وضع الأمازيغية عوض أن يتقدم إلى الأمام بعد دسترتها جرى العكس، إذ تمت العودة إلى وضع ما قبل الدسترة وبتراجعات كثيرة، على حد تعبيره، موضحا أن هذه التراجعات تتجلى في مناحي عدة، مثل القانون المالي لسنة 2020، الذي لم يخصص اعتماداتٍ لتطبيق القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وفي مجال التعليم، الذي لم يخصص فيه سوى 181 منصبا لتوظيف أساتذة اللغة الأمازيغية، في حين أن تعميم إدماجها في المستويين الأول والثاني فقط بالتعليم العمومي، حسبه، يتطلب أكثر من 5000 أستاذ.

في المقابل يرى عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة (أزطا أمازيغ)، أن سؤال تقييم حصيلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سابق لأوانه، “لكون القانون التنظيمي في صيغته النهائية المصادق عليها لا يستجيب لتطلعات وانتظارات الحركة الأمازيغية، ولا ينسجم مع الغاية الدستورية من ترسيم اللغة الأمازيغية، ولم يتجاوب بشكل إيجابي مع مقترحات الفاعلين المدنيين المهتمين بالموضوع”.

ووجه بادو انتقادات لاذعة إلى الحكومة والقطاعات المعنية، قائلا إن “تلكّؤها كشف خطتها ومنهجيتها وأجندتها لبلورة المخطط الحكومي لتفعيل الطابع “الرسمي” للغة الأمازيغية كما ينص على ذلك القانون التنظيمي المصادق عليه من طرف البرلمان بغرفتيه”، كما انتقد عدم استشارتها وإشراكها الفاعلَ المدني، كما ينص على ذلك الدستور، والذي أقر بضرورة إشراك المواطنين والمجتمع المدني في صياغة وإعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية.

وذهب بادو إلى القول إن مضامين ومقتضيات القانون التنظيمي “لا توفر الضمانات والشروط الضرورية لترسيم الأمازيغية ولو بعد قرن من الآن”، معللا رأيه بكون مسار الإدماج “جزئيا وغير شامل للغة الأمازيغية في بعض المجالات التي تراها الحكومة والمعارضة- بحكم أن الجميع صادق وبالإجماع على القانون التنظيمي الحالي- ذات أولوية بالنسبة لها”، وزاد: “من وجهة نظرنا في “أزطا أمازيغ” نعتبرها غير كافية ولا تقدم الضمانات اللازمة لترسيم اللغة الأمازيغية وضمان حيويتها”.

عقليات قديمة

قبل أسبوع وجّه رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، منشورا إلى الوزراء يحثهم فيه على موافاته بمخططاتهم القطاعية المتعلقة بتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 26.16، المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والذي نُشر في الجريدة الرسمية أواخر شهر شتنبر الماضي.

كما طالب رئيس الحكومة وزراء حكومته بأن تكون مخططاتهم القطاعية التي طالبهم بموافاته بها، في أجل أقصاه نهاية شهر يناير المقبل، مصحوبة بجدولة زمنية تأخذ بعين الاعتبار التواريخ والآجال التي نصّت عليها المادتان 31 و32 من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

الجدولة الزمنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية كانت من بين النقاط التي رفضتها مكونات الحركة الأمازيغية، إذ ترى أنّ المدة الزمنية التي حددتها الحكومة لتفعيلها في بعض المجالات، والتي تصل إلى خمسة عشر عاما، تُعتبر طويلة جدا ومبالغا فيها.

وفيما يَنتظر رئيس الحكومة التوصل بالمخططات القطاعية لوزراء حكومته، يرى رشيد الحاحي أن مبادرة رئيس الحكومة إيجابية، وفيها احترام لآجال ستة شهور التي حددها القانون التنظيمي، لكنه لا يتوقع أن تفضي هذه المبادرة إلى نتائج مهمة، على اعتبار أن القطاعات الحكومية والإدارات المعنية “لا تتوفر على الخبراء والأطر العارفة بمتطلبات تنفيذ مقتضيات القانون التنظيمي في هذه المجالات”.

عدم توفر القطاعات الحكومية والإدارات على الأطر والخبراء العارفين بمتطلبات تفعيل القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سيصّعب عليها أن تضع مخططات ناجعة، كما سيطرح إشكالُ الاعتمادات المالية الضرورية لتكوين الموارد البشرية وتوفير الحاجيات الضرورية لذلك، كما يرى الحاحي، مضيفا أن هناك إشكالا آخر يتمثل في “الذهنيات الفردية والمؤسساتية، إذ تتطلب المرحلة الانتقالية الحالية كفاءات وعقليات نزيهة لإرساء الديمقراطية اللغوية والثقافية”.

في هذا الإطار يرى أحمد عصيد بدوره أن من بين العراقيل التي تعوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية “وجود عقليات قديمة تجمّدت على واقع كان سائدا قبل خمسين سنة”، مردفا: “آن الأوان لمحاربة هذه العقليات المستخفّة بكل ما هو ثقافي وهوياتي..إنها تعيد تكريس سلوكيات المخزن التقليدي في جميع الممارسات، إذ لا يتمّ التقيد بالقوانين والمساطر القانونية”.

من جهته يرى عبد الله بادو أن هناك جملة من العراقيل تعوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، أوّلها عدم تملك مختلف الفاعلين لمقتضيات الدستور، واستمرار وفائهم لـ”النظرة الإقصائية تجاه الأمازيغية”، وضعف تملكهم للمبادئ والقيم الكونية المدعمة للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي.

العائق الثاني الذي يرى بادو أنه يعرقل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يتعلق بـ”استمرار الحكومة والمؤسسات في فرض سياسات لا تنسجم بتاتا مع روح ومضامين دستور 2011، رغم النواقص الكثيرة التي تعتريه”، و”وجود تواطؤ بين مختلف المكونات السياسية لعرقلة السير العادي والسليم لوضع سياسة لغوية وثقافية متشبعة بقيم التعدد والتنوع، والاكتفاء بسن بعض القرارات التي لن تغير الشيء الكثير من الواقع البئيس الذي تعيشه الأمازيغية منذ عقود”.

وثمّة عراقيل أخرى أوردها بادو، من قبيل غياب عدالة لغوية منصفة ومقرة بالمساواة بين اللغات الرسمية للبلاد، وضامنة لشروط ملئها لوظائفها الأساسية في كافة المجالات، ذاهبا إلى القول إن ما تم إقراره ينطوي على “سياسة لغوية تمييزية في المنظومة التربوية، لا تراعي واقع الثنائية اللغوية الرسمية للبلاد، من خلال إقرار قانون إطار للتربية والتكوين يناقض مضامين الدستور، ويكرس تراتبية مرفوضة بين اللغتين الرسميتين للبلاد، ويرجح كفة اللغات الأجنبية والعربية على حساب اللغة الأمازيغية”.

تسوية ظرفية

يسود اعتقاد وسط فئة واسعة من الحركة الأمازيغية بأن الاستجابة لمطلب ترسيم الأمازيغية في الدستور لم تكن سوى محاولة لـ”تطييب خواطر الأمازيغ”، في اللحظة التي هبّت فيها رياح “الربيع الديمقراطي” على المغرب مطلع سنة 2011، دون وجود نيّة حقيقية في الرقي بالأمازيغية إلى المكانة التي ينبغي أن تكون فيها؛ وما يزكي ذلك هو التأخر في تفعيل طابعها الرسمي على أرض الواقع.

هذا الاعتقاد يؤكده أحمد عصيد بقوله: “إذا نظرنا إلى المماطلة والتسويف اللذين طبعا تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، طيلة ثماني سنوات، يُمكن القول إن دسترة الأمازيغية لم تكن سوى تسوية ظرفية للوضع الذي كان يعيشه المغرب في مرحلة كان فيها المحيط الإقليمي متوترا”.

وأردف المتحدث ذاته: “السلطة أقدمت على تسوية ظرفية، وماطلت في التفعيل ربْحا للوقت. ويمكن القول إن هذا مؤشر على غياب الإرادة السياسية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لأن السلطة تعتبر أن الوضع لم يعد ضاغطا عليها للقيام بأشياء كثيرة في مجالات عدة، كالأمازيغية والحريات والنهوض بوضعية المرأة.. وغيرها”.

بدوره قال عبد الله بادو إن هناك “غياب إرادة حقيقية لدى الدولة ومؤسساتها في الدفع قدما بمسار التفعيل، إذ يتم اختلاق بعض القضايا الهامشية لوقف أي تطور في هذا المجال”، مشيرا في هذا السياق إلى النقاش الذي تتم إعادة إحيائه في كل مرة حول حرف تيفيناغ، ومعيرة اللغة الأمازيغية، والتناوب اللغوي، وتدريس العلوم…

ورغم دخول القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية حيّز التنفيذ، ومطالبة رئيس الحكومة للوزراء بتقديم تصوراتهم لتنفيذ مخططاتهم القطاعية، وفق ما يحدده القانون التنظيمي المذكور، فإن هذا القانون، وإن كان يتضمن مقتضيات هامة، فضلا عن إيجابية التفسيرات التي قدمتها المحكمة الدستورية بشأنه، وكذا أهمية التعديلات التي عرفها قانون إطار منظومة التربية والتكوين، فإن الفاعلين الأمازيغ لا يتفاءلون كثيرا بإمكانية النهوض بالأمازيغية والرقي بها إلى المكانة التي ينشدونها.

ويؤكد ذلك رشيد الحاحي بقوله: “نحن أمام نصوص قانونية من شأنها أن تمكن اللغة والثقافة الأمازيغية من المكانة التي نطمح إليها، لكنّ الإشكال في التخطيط والتنفيذ وتوفير الشروط المالية والبشرية والحكامتية التي يتطلبها هذا الورش الوطني في الحاضر والمستقبل”.

 محمد الراجي (كاريكاتير: عماد السنوني)


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments