أمازيغ المغرب: لماذا المنع من الممارسة السياسية!


منذ أن أسس المرحوم أمغار داحماد الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي في نهاية شهر يوليوز من سنة 2005، والذي مارست عليه الدولة كل أشكال التضييق والمنع، إلى سنة 2007 حيث رفعت ضده وزارة الداخلية دعوى قضائية للحل والبطلان، والذي تم فعلا في سنة 2008 بصدور الحكم الابتدائي في حقه، وصدر الحكم الاستئنافي الذي أيد حكم الحل والبطلان في يناير 2010. متذ ذلك الوقت حصلت مشكلة سياسية كبيرة بين الامازيغ والدولة، هذه المشكلة تتسع وتكبر لتصبح أزمة سياسية بأبعاد مختلفة…

طبعا نقصد بالامازيغ هنا الفئة المنبثقة من الحركة الأمازيغية المقتنعة بالقضية والمشروع السياسي كما هو مطروح في كتاب البديل الامازيغي والاضافات والتراكمات التي حصلت منذ سنة 2000 إلى الآن بفضل مساهمات واجتهادات الكثير من المناضلين/ت والمفكرين والسياسيين والمثقفين والشعراء والمؤرخين الامازيغ بالمغرب والخارج، وهي العصارة الفكرية والثقافية التي نسميها المرجعية الأمازيغية المبنية على الهوية والأرض والحضارة والثقافة والتاريخ بشمال افريقيا.

منذ الحكم بالحل والبطلان على الحزب الامازيغي سنة 2007 ثم 2010 والدولة تمارس التضييق والمنع الناعم على الأمازيغ الذين سعوا في محاولات ومبادرات كثيرة لتأسيس حزب سياسي. واستمرت السلطة في ذلك إلى الآونة الأخيرة وهي تفرض نوعا من الرقابة على المحاولات التنظيمية الأمازيغية المستقلة، وفي نفس الوقت تطرح بعض المبادرات السياسية للامازيغ قصد التشويش عليهم وعلى مشروعهم السياسي الحضاري، وذلك بدفع بعض الأحزاب الإدارية إلى احتواء الامازيغ ذوي الطرح السياسي، واغرائهم بالاموال والوعود الانتخابية قصد استمالة الشباب للدخول والانضمام إلى الأحزاب المخزنية، وذلك ما قام به حزب سياسي يترأسه ملياردير من أصول سوس وقام باستقطاب بعض الوجوه إلى حزبه في إطار مشروع سياسي كبير يستهدف تشتيت صفوف الامازيغ بشكل عام، وقد حاول ذلك الحزب بكل الطرق والوسائل التشويش على مبادرات الامازيغ الذين يرغبون في بناء مشروع سياسي حضاري مبني على المرجعية الأمازيغية في شموليتها، لكنه مني بالفشل الذريع بكون الذين انضموا إلى ذلك الحزب لم يكن لهم أي ثقل او وزن سياسي او ثقافي و فكري داخل حقول الإبداع والنضال الامازيغي، ثم لأسباب كثيرة لا داعي الخوض فيها خاصة بعد انفجار بعض الأسرار التي كانت تلف اتفاق بعض النشطاء مع رئيس الحزب المذكور تتحدث عن وجود صفقة مالية سرية. وقبيل الانتخابات التي سيعرفها المغرب بعيد اسابيع قليلة، تخلي نفس الحزب بالامازيغ الذين التحقوا به بالرغم من الوعود الانتخابية التي كانت أعطيت لهم. وفي نفس السياق استمرت السلطة في التضييق على المبادرات الجدية لتأسيس حزب سياسي بمرجعية أمازيغية.

وأمام هذا المنع والتشويش المستمر على المشروع السياسي بقي الالاف من الأمازيغ الذين يطمحون المساهمة في بناء وطنهم والمشاركة في المؤسسات المنتخبة بقوا محرومون من ممارسة حقهم الطبيعي والدستوري، لأنهم يرفضون الدخول إلى أحزاب تحمل ايديولوجيات تهدد ثقافتهم ولغتهم وثرواتهم واعرافهم. فالعديد من الفعاليات الأمازيغية تختار الانزواء إلى الوراء وعدم المشاركة في الانتخابات لسبب وحيد هو عدم وجود تنظيم سياسي يعبر عن مرجعيتهم الثقافية ويدافع عنها ويشتغل عليها، عوض الأحزاب الأخرى التي تسعى فقط الركوب على الأمازيغية و استعمالها كآلية انتخابية او كدرع أيديولوجي لمجابهة الاسلاميين قصد الوصول إلى الحكومة، فكل هذه الاحزاب التي تتشدق خطابيا وسياسيا بالدفاع عن الأمازيغية هي نفسها الأحزاب التي شرعنت قوانين خطيرة لمحاربة الأمازيغية طيلة عقود وحتى بعد الدسترة تورطت في فرملتها وتقويضها وعدم تنزيل الدستور بسرعة وفعالية بل تكتلت كل الأحزاب الأغلبية الحكومية التي يرأسها أمناء عامون من أصول امازيغية العثماني أخنوش لشكر العنصر ساجد.. تكتلوا بحذف الأمازيغية في البطاقة الوطنية واصدروا قوانين التفعيل الرسمي مجحفة ومقزمة للأمازيغية…

يطرح السؤال، لماذا الامازيغ ممنوعون من ممارسة السياسة وفقق مرجعيتهم الثقافية الحضارية ؟ في وقت يسمح للأحزاب بمرجعيات اشتراكية عربية واحزاب العروبة والسلفية، وأحزاب الاخوان المسلمين وأحزاب القومية العربية بممارسة التنظيم بحرية والسياسة، وهي كلها ايديولوجيات بنفحات عنصرية تجاه الأمازيغية… هل لأن أيديولوجية العروبة والإسلام والقومية العربية التي تتبناها تلك الأحزاب هي نفسها الايديولوجية التي تتبناها الدولة المغربية ؟ يمكن أن يحصل ذلك في السنوات الماضية، أما الان فأعتقد أن الأمازيغية لم تعد طابو سياسي يخيف المخزن العميق بعد الدسترة الأمازيغية والتعليم وغير ذلك. بل أكثر من ذلك أصبحت المخزن يدرك شيئا فشيئا أن الأمازيغية هي عماد الاستقرار والامن كما لها امتداد جيوستراتيجي كبير وحيوي يمكن الاشتغال عليه للدفاع عن الوحدة الترابية وعن عراقة الدولة المغربية وخصوصياتها في محيطها الإقليمي والافربقي..

إن الأمازيغية لا يمكن بالبث والمطلق أن تكون بذرة للقلاقل السياسية والثقافية للمغرب، بل هي مشتل للحلول الناجعة للعديد من الازمات والمشاكل التي يعاني منها المغرب حاليا، لما لها من الآفاق السياسة الكبيرة التي تتيحها له على المستوى الجيوستراتيجي إقليميا وقاريا ودوليا خاصة في تعامله مع دول الجوار الأوربي والمغاربي. لكن الأمازيغية لكي تقوم بهذه الأدوار فهي حاجة إلى الحرية وليس القمع والمنع.

فتكلفة منع الامازيغ من تنظيم حزب سياسي في إطار القوانين المؤطرة لذلك، ستكون باهضة ومكلفة بالنسبة للمغرب، فدفع الأحزاب الإدارية التي تشتغل بالمال لاحتواء الامازيغ وتدجينهم واتخاذهم دروعا بشرية في معاركهم الانتخابية، هي فكرة قديمة وفاشلة تم تجريبها منذ عقود فلن تعطي أية نتائج… وحدها الحرية والديموقراطية اللتان يعول عليهما لبناء الدول ووحدة الشعوب….

فالدولة المغربية عريقة جدا في التاريخ، قدم وجود الإنسان الامازيغي فوق هذه الأرض… فتلك العراقة والامتداد استمدتها الدولة المغربية بفعل مساهمة الامازيغ في السياسة والحكم منذ أن ارسوا نظام تاگلديت في شمال إفريقيا قبل آلاف السنين…


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments