مجلة “الثقافة المغربية” وإيديولوجية التعريب


ما تزال عقلية التعريب سائدة ومهيمنة على مجلة “الثقافة المغربية” التي تصدرها وزارة الثقافة، مجلة كان من واجبها الوطني والدستوري أن تمثل الثقافة المغربية في تنوعها اللغوي تماشيا مع العهد الجديد الذي قطع فيه المغرب أشواطا. فقد مرت 20 سنة على خطاب أجديرالتاريخي و11 سنة على ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي وما زالت هذه المجلة تدار بعقلية التعريب.

فبعد الإنتقادات الموجهة لها( عدة مقالات نشرتها سابقا) فتحت مجالها في السنتين الأخيرتين لبعض الكتابات بالعربية حول الأمازيغية أي الإبقاء على سياسة التعريب وإغلاق الباب في وجه أي نص إبداعي أمازيغي( في الساحة اليوم أكثر من 200 كاتب وكاتبة نشروا إنتاجاتهم وإصداراتهم بالأمازيغية).

نبهنا مرارا إلى هذا الإقصاء الإيديولوجي الذي ما يزال البعض من مسؤولي هذه المجلة يمارسونه على الإبداع المكتوب بالأمازيغية وبدلا من إعطاء الأمازيغية حقها في هذه المجلة التي تمثل وطننا المغربي ثقافيا وأدبيا، يتم إغلاق الباب أمام هذا الإبداع، ليتم تسويق المغرب خارجيا على انه بلد العروبة، فلم يع بعد مسؤولو المجلة بالتوجه الرسمي المغربي الجديد الذي اتجه إلى التركيز على الخصوصية المغربية والإفريقية لهذا البلد الأمازيغي ،أي الحر المتميز بعراقته الثقافية والسياسية وبلغتيه المغربيتين الرسميتين…

ولكي يوهمنا مسؤولو المجلة بأنهم منحوا للأمازيغية حقها يتم مؤخرا منذ سنتين (بعد الإنتقادات الموجهة لها) نشر مقال او مقالين عن الأمازيغية باللغة العربية، ويعتبر هذا تطورا للمجلة التي هيمنت عليها ايديولوجية التعريب والتي ما زالت تنتهجها.

ففي العدد الجديد وهو العدد 44 لشهر اكتوبر 2022، والذي خصص لمحور “الثقافة الشعبية” كان نصيب الأمازيغية فيها دراستين بالعربية،إحداهما للباحث “جمال ابرنوص” استشهد فيها بنصوص شعرية امازيغية، والثانية لمحمد اقضاض.
في حين أن المجال الإبداعي في المجلة لم تخرج فيه “حليمة” عن عادتها القديمة،على غرار المثل الأمازيغي ” سنغ كم أجدا ؤرتا ىلكيم رمضان”.

عدد النصوص الإبداعية في هذا المجال الإبداعي هو 18 نصا ابداعيا، وكلها بالعربية ونص شعري واحد بالدارجة (الزجل)، ويبقى المكتوب باللغة الأمازيغية هو المغيب دوما، وشرط نشره في المجلة هو تعريبه مع عدم نشر النص الأصلي. ففي هذا العدد تمت ترجمة نصين شعريين أمازيغيين، وبعض القصص القصيرة الأمازيغية دون نشر النصوص الأمازيغية الأصلية، اي الإلتزام بالتهريب في حين ان الشعر بالدارجة المغربية (الزجل) لا يتم تعريبه، ويتم الاحتفاء به في أغلب الأعداد السابقة للمجلة.

ولعل سياسة التعريب للمجلة ولغيرها من مجلات وزارة الثقافة( اقرأ، الفنون، المناهل..) هوامتداد ايديولوجي لفكرالحركة الوطنية والقومية اليسارية في الستينات والسبعينات ممثلة في المبادئ الاربعة المعروفة وعلى رأسها التعريب،حين حاولت هذه الحركة بجناحيها السلفي واليساري فرض التعريب كدعامة أساسية لمشروعها السياسي والإيديولوجي الشرقي التي تريد استنساخه في المغرب؛ واستطاع بعض أقطاب هذه الحركة فرض التعريب في التعليم في نهاية السبعينات مستغلة الظروف السياسية والإجتماعية منها: الإجماع الوطني الذي كانت الدولة المغربية تسعى إليه آنذاك من أجل الدفاع عن وحدتنا الوطنية الترابية،وبداية الأزمة الاقتصادية في المغرب، والضغط السياسي والاجتماعي من اليسار القومي( اضراب 79), والظهور القوي للحركة الأمازيغية (الملتقى الوطني للجامعة الصيفية بأگادير 1980)… كل هذه العوامل جعلت من مسألة التعريب ورقة من أوراق المساومة السياسية من لدن بعض اقطاب هذه الحركة؛و اضطرت الدولة للخضوع، فكان ما كان بعد 40 سنة من التعريب.

أما في مجال الفكر والنقد، فيتضمن العدد الجديد من المجلة سبع دراسات من بينها دراسة عن رواية مغربية مكتوبة بالعربية…

ما نريده من مسؤولي المجلة هو أن يستوعبوا بأن المغرب تغير، فالوطن للجميع ولا مكان فيه للإقصاء الذي مورس سابقا، وأن الأدب المغربي لا يمثله فقط المكتوب بالعربية، فهناك أدب مغربي أمازيغي بلغته الأمازيغية عرف زخما قويا في عشريتي هذا القرن فنال بذلك أدباؤه وأديباته جوائز وطنية عليا، منها جوائز المغرب للكتاب الذي تنظمه وزارة الثقافة، وجوائز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وغيرها من الجوائز…

آن الأوان أن يلتزم مسؤولو مجلات وزارة الثقافة بالتوجه الثقافي الحالي للبلد، وإعادة النظر في سياسات هذه المجلات الرسمية التي تصدرها وزارة الثقافة مثل ” الثقافة الجديدة”، و” المناهل”، و”اقرأ”.. بتنويع مجالس إداراتها لتشمل ممثلين عن الثقافة واللغتين المغربيتين؛ فلا يعقل أن تمثل هذه المجلات بلغة رسمية واحدة وتقصى اللغة الرسمية الاخرى للبلد، وفي البلد جمعيات ثقافية ومؤسسات رسمية ونقاد وباحثون وأدباء و مبدعون(ذكورا وإناثا) مهتمون بالثقافة والأدب والإبداع بالأمازيغية…

هذا هو المغرب الذي نسعى اليه بلد التنوع والتعدد في إطار وحدته الجغرافية وعمقه الثقافي والتاريخي واللغوي وكيانه السياسي الذي لم ينقطع قط منذ ممالكه الأمازيغية ما قبل الإسلام بقرون وقرون إلى اليوم..


1 Commentaire
Inline Feedbacks
View all comments
سوس م. د

التعريبيين يتصرفون مع سكان شمال أفريقيا اليوم كالمتنمر المذعور. يخافون فقدان الغنيمة التي هاجم من اجلها جنجويد العرب الهمجي هذه المنطقة الأمازيغية. حان الوقت لتواصل المغاربة بلغة الأرض الأصلية عوض التباهي بلغات الغزاة. القوميون العرب الشوفينيين يعملون على فك سرة البطن للهوية الأمازيغية مع محيطها الجغرافي و عمقها التاريخي و ربطها باديولوجية بدو صحراء الجزيرة العربية الآسيوية التي تعتمد على استراتيجية الخداع و التزوير لشرعنة الغزو العربي و اضفاء اللمعان على جريمة التعريب. كل حياتهم مغمورة بالأمازيغية من أكلهم إلى كلامهم وعاداتهم لاكن شوكة العروبة في دماغهم جعلتهم كفرس النهر يرى كل شيئ إلا قرنه.