المغرب مجتمع أمازيغي أميسي


أشاد العالم بأسره بهذه الصورة التي التقطها الصحافيون والمحررون في أعرق الجرائد والصحف العالمية في إيطاليا وامريكا وكندا والمانيا وإسبانيا وغيرها… انها صورة اللاعب المغربي بوفال يرقص مع أمه التي ضحت بكلما تملك من أجل تألق ابنها في ملاعب أوروبا… كل العالم إنبهر بصور اللاعبين المغاربة يقبلون أمهاتهم ويعانقونهن بعد كل فوز لهم في المونديال… إلا بعض الأشخاص النكرة في الشرق الأوسط يستنكرون هذه الصور المثالية التي ليس لها مثيل، أن يعانق نجم رياضي أمه التي ولدته ورضع منها حليب الحب والامومة والحنان والابداع والتضحيات….

تغريدة يوسف المهندي مؤسس ومدير ادارة ملتقى الخبرات القطرية

اللاعبون المغاربة الذين يعانقون أمهاتهم في ملاعب قطر، أصبحت ظاهرة مونديالية، وهي أجمل ما في هذه التظاهرة العالمية، لأن المغرب انفرد بهذه الظاهرة لنشر قيم ثقافية يتميز بها الامازيغ منذ القدم وهي تقديس المرأة والأم.

الامازيغ يختلفون عن مجتمعات الشرق الأوسط وخاصة العرب في قضية المرأة اختلافا جوهريا، فالامازيغ يقدسونها ويضعونها في مرتبة عليا، بدءا في التسمية، فالامازيغ يسمونها تامغارت أي مؤنث أمغار الذي يعني شيخ القبيلة او الرئيس الذي يقود ويسير أمور المجموعة التي يترأسها عن طريق الانتخاب، عكس ما هو شائع في المجتمعات في الشرق الأوسط، فالجميع يعرف وضعية المرأة ومصيرها قبل الإسلام…

في المجتمعات الأمازيغية المرأة هي سيدة وزعيمة البيت والأسرة، فإذا كان امغار هو رئيس القبيلة/ الدولة/ المجموعة، فإن كل امرأة هي سيدة وأميرة بيتها وأسرتها، كما كانت في عهود قبل الإسلام حاكمة وملكة وأميرة تحكم ممالك كبيرة، وأشهر السيدات الأميرات الامازيغيات هي الملكة تيهيا، التي اشتهرت في المصادر التاريخية بقيادتها للمقاومة الأمازيغية أثناء ما يسمى ب “الفتوحات الإسلامية” في شمال إفريقيا وهي في الحقيقة غزوات اقتصادية وسياسية كانت المرأة الأمازيغية ضحيتها الأولى في السبي.

فالمغرب هو مجتمع أميسي يقدس الأم والمرأة، نظرا للثقافة والحضارة الامازيغية المتجدرة فيه عبر التاريخ، فمثلا الأخ يسمى بالامازيغية گما ⴳⵯⵎⴰ والأخت ⵓⵍⵜⵎⴰ أولتما وكلاهما ينسب إلى إما ⵉⵎⵎⴰ أي الأم… فقديما قبل تأثر الامازيغ بالثقافة الإسلامية الأبوية، كان اغلب الامازيغ ينتسبون إلى الآم أو الجدة المؤسسة… فنجد توارگ الهگار الذين لازالوا يتشبثون بالثقافة الأمازيغية في الصحراء، ينتسبون إلى تين هينان ( ذات الخيام) وهي أميرة كانت تحكم مناطق واسعة في الصحراء بالهگار، وتقول المصادر التاريخية أنها كانت في بداية حياتها تعيش في منطقة تافيلالت بجنوب شرق المغرب، قبل أن تنتقل إلى المناطق الصحراوية حيث أسست مملكتها، وقد تم اكتشاف قبرها وضريحها في العقود الماضية أثناء حفريات اركيولوجية غير بعيد عن مدينة تامنراست بصحراء توارگ الهگار… .فالسلطة والقيادة تنتقل داخل مجتمعات التوارگ حين يتوفى الأمنوكال أو يتم عزله، إلى إبن أخته وليس إلى إبنه… وهذه ظاهرة فارقة تؤكد أميسية المجتمعات الأمازيغية…

تجدر الإشارة أيضا إلى ما كتبه ولاحظه الرحالة إبن بطوطة أثناء زيارته لمدينة ولاتة وتادمكا ومدن كثيرة في صحراء الامازيغ… حيث لاحظ أن المرأة في المجتمعات الأمازيغية بالصحراء تحظى بمكانة وقيمة كبيرة جدا عكس ما كان يلاحظه في مدينة فاس عاصمة المرينيين آنذاك حيث بدأ المجتمع المغربي يعيش تحولا ثقافيا واجتماعيا بفعل سيادة ثقافة “الفقهاء” “العربية الإسلامية” بدل ثقافة المجتمع الامازيغي، فحين استفسر ابن بطوطة عن هوية امرأة كانت توجد ببهو قصر أمير ولاتة… أجابه الأمير بأنها زوجته، فأراد ابن بطوطة أن يعبر عن موقف ما، فقاطعه أمير ولاتة الذ زار مدينة فاس سابقا، قائلا، نحن هنا في الصحراء ويقصد الامازيغ، وضعية المرأة ليست هي نفس الوضعية في فاس، هنا تحظى بقيمة وأهمية كبيرة… وفعلا دون ابن بطوطة الكثير من الملاحظات التي تبين ذلك…

المرأة الأمازيغية برزت في أدوار طلائعية كثيرة ومتعددة سياسية وعسكرية وثقافية ودينية وادبية وفنية، فالكثير من الدول والإمارات كانت تنسب إلى الاميرات والنساء اللواتي لعبن فيها ادوارا حاسمة، ونحن نقرأ التاريخ وندرسه ونفهمه جيدا، فإننا نملك من الجرأة العلمية ما يكفي لكي نقول أن ما يسمى بالدولة الإدريسية ما هي في الحقيقة إلا إمارة أمازيغية أسستها الأميرة كنزا الأوربية التي تزوجت ادريس الأول وهي أيضا أم ادريس الثاني، فهي قبل أن يتزوجها ادريس الذي قام الفقهاء بأسطرة تاريخه وقدومه ودولته قصد إعطاء شرعية سياسية دينية لنمط سياسي جديد في الحكم الذي يتأسس على الأشراف( النسب الشريف) ، عوض أسس الحكم الامازيغي، وهذه الأسطرة لم تظهر إلا في العهد المريني حين تم اكتشاف قبر أدريس الأول الذي توفي سنوات قليلة جدا بعد زواجه بالأميرة كنزا، وترك ابنه ادريس الثاني في بطن أمه، ولم تتفق المصادر التاريخية في ضبط الفترة الزمنية الفاصلة بين موت ادريس الأول ( توفي 828 م) وولادة ادريس الثاني… قلنا أنه قبل زواج ادريس بكنزا فهي كانت أميرة إبنة أمير في قبيلة أوربا الأمازيغية…

مجمل القول أن الأميرة الأمازيغية كنزا هي المؤسسة الحقيقية والحاسمة للدولة الإدريسية التي صبغ تاريخها بهالة من التقديس والأسطرة لشخص ادريس الذي لم يعش الا أياما قليلة بعد تأسيس الإمارة، وتهميش لكنزا الأمازيغية التي كان دورها حاسما أثناء التأسيس وما بعده…

ونفس الأمر حصل مع زينب النفزاوية أميرة مملكة أغمات ⵜⴰⴳⵍⴷⵉⵜ ⵏ ⵖⵎⴰⵜ والتي لعبت دورا محوريا في التحول الكبير الذي حصل لأمراء صنهاجة بعد زواجها بالقائد العسكري يوسف بن تاشفين بعد انفصالها مع إبن عمه، وبذلك الزواج انطلق المرابطون من الحركة/ الدولة إلى الإمبراطورية وتحولوا من أغمات إلى مراكش التي وضع يوسف بن تاشفين حجر أساسها وسماها تيكمي اوزرو ⵜⴰⴷⴷⴰⵔⵜ ⵏ ⵓⵥⵕⵓ ثم تحولت إلى “أمور ن واكوش” أرض الله، لإعطاء القداسة لمركز الحكم المرابطي الذي كان في الأول يحارب الإمارات الأمازيغية الدينية في تامسنا والشمال…

توجد نماذج كثيرة وكثيرة جدا… تظهر أن المرأة مقدسة لدى الامازيغ وانها تعتلي مكانة أساسية ومركزية في الحياة داخل البيت وخارجه… ولا داعي لإعطاء أمثلة أخرى في ميادين أخرى عديدة….

لذلك فحين نرى اللاعبون المغاربة في ملاعب قطر يعانقون أمهاتهم فذلك نابع من صميم الثقافة الأمازيغية ومن رحم المجتمعات الأمازيغية الأميسية التي تتنتسب للمرأة وتقدسها… ولا غرابة في أن يندهش أبناء المجتمعات الأبوية ويستغربون من احتفال المغاربة مع أمهاتهم….


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments