أحمد عصيد : رسائل قصيرة إلى دعاة عزل الذكور عن الإناث في المدارس


ـ أنتم تعودون إلى نقاش قديم لأنكم في الحقيقة لم تستطيعوا تخطي لحظة الماضي إلى ما بعدها، فتعالوا معنا إلى الحاضر حتى نستطيع أن نتفاهم.
ـ فكرتكم عن العزل مرتبطة بترسانة مفاهيم الفقه القديم، كما أنها مرتبطة بالدولة الدينية القديمة، وأيضا بمجتمع “الحريم”، وكل هذه المؤسسات لم تعد قائمة منذ زمن بعيد، من هنا غربتكم.
ـ الكل يناقش معضلة المدرسة العمومية حسب اهتمامه، نتفهم أنكم تتحدثون في اختصاصكم، الذي هو الحجْر على الناس ومراقبتهم، لكن ذلك يعرضكم للسخرية ولا يحلّ للأسف معضلتنا المؤرقة.
ـ من يدعو إلى عزل الذكور عن الإناث ينطلق من عقليته التي تهتم كثيرا بما تحت الحزام، ولا تشغلها شخصية المتمدرسين ولا عقولهم، وما تنسونه أن أبناءنا بحاجة إلى تربية صالحة لا إلى رقابة بوليسية أو عسكرية، لأن الرقابة لا تؤدي إلا إلى عكسها.
ـ بدعوتكم تلك تلغون التربية باعتماد الرقابة، والحقيقة أن الثانية لا يمكن أن تحلّ محلّ الأولى، وعوض أن تنتبهوا إلى عطب التربية والدعوة إلى إصلاحها، تدعون إلى العودة إلى المجتمع القديم، مجتمع “المسيد” و”الحريم”.
ـ الفضيلة ليست أن تكون عفيفا لأنك لم تجد من تضاجع، بل الفضيلة أن تكون عفيفا في علاقتك بالجنس الآخر، أن تعمل مع الأنثى دون أن تفكر في جسدها، هذه هي التربية الحقيقية. أما العزل فهو تربية للوحوش الكاسرة.
ـ حققت الفتيات نسبة عليا في التفوق الدراسي بالباكالوريا لسنوات متتالية، معدل 67 في المائة في مقابل 33 للذكور، هل تريدون عزلهن لأنهن يثبتن خطأ تقديراتكم ؟ وهل تراجع الذكور سببه انشغالهم بأجساد الفتيات ؟ يا له من تقدير خاطئ !.
ـ أنتم تقترحون عزل الذكور عن الإناث في المدرسة، ماذا بعد المدرسة أو خارجها ؟ هل ستعزلونهم عن بعضهم في الشارع أيضا ؟ وفي الحدائق وقاعات المسرح والسينما ؟ وفي المطاعم والسهرات الموسيقية ؟ وفي ملاعب الكرة ؟ إذا كنتم لا تستطيعون عزلهم في كل هذه الفضاءات فكيف تختارون فضاء التربية وتلقي العلوم بالذات ؟ ألا تعلمون بأن مبادئ التعامل بين الجنسين بشكل حضاري يتم داخل فضاء الدرس، حيث يتم تعليم المتمدرسين مبادئ العيش المشترك واحترام الآخر ؟ شخصيا أنا وأبناء جيلي تعلمنا احترام النساء من المدرسة، حيث كنا نرى الفتيات تناقشننا بذكاء وبروح منفتحة وتحصلن على أفضل النتائج، وكنا نخوض تنافسا شريفا من أجل أفضل المعدلات الدراسية.
ـ في فقهكم يُعتبر “الشيطان” ثالث اثنين في كل “خلوة” بين ذكر وأنثى، ألا ترون بأن التواجد الجماعي المختلط داخل حجرة الدرس يحفظ من “الخلوة” ؟ وأنه بالتالي كفيل بطرد الشيطان ؟ 
ـ في انتظار أن تهتدوا إلى الحق وتعودوا إلى الواقع، نذكركم بأن كل التجارب التي سبقت في عزل الجنسين عن بعضهما لم تؤد إلا إلى مزيد من الأمراض النفسية، كما لم تترك في الأذهان والأجساد إلا آثارا في غاية السلبية. 
إن التجارب الإنسانية الناجحة قد أظهرت بما لا يدع مجالا للشك بأن المجتمعات الراقية هي مجتمعات حرية واختلاط وتعايش واحترام وقيم نبيلة، كما أظهرت تجارب مجتمعاتنا الإسلامية بأننا الأسوأ أخلاقا والأكثر سقوطا في مهاوي الرذيلة في ظل انتشار الحجاب والنقاب والبرقع والفولار وكل الألوان الداكنة، وفي ظل أنظمة اجتماعية تسلطية يحكمها هوس الجنس ملفوفا بالرقابة الدينية والوعظ الشرس والمنافق. هل حققت الأنظمة الدينية المتشددة في العزل والرقابة نموذج الفضيلة الأخلاقية المرجوة ؟ كيف كانت النتيجة في السعودية والسودان والطالبان وإيران وداعش وغيرها من الكوارث ؟ خذوا العبرة من هؤلاء واتعظوا ! وفي حالة ما إذا أفلحتم في تحقيق نموذج واحد أفضل مما نحن عليه، اتبعناكم وكنا لكم من الشاكرين.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments