المبطن المعلن في رد الجزائر على موقف المغرب من القبايل


على إثر موقف المغرب أمام منظمة دول عدم الانحياز، جوابا على مداخلة الجزائر بخصوص الصحراء، والذي عبر من خلالها المغرب على مساندته لشعب القبايل، في سعيها لتقرير مصيرها، والتحرر من الاحتلال الجزائري، أصدرت الجزائر ردا رسميا، ضمنته من فرط الصدمة، رسالة مشفرة لمن يهمه الأمر، مفادها ان موقف المغرب يتعارض مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتمحور العلاقات المغربية الجزائرية. ولترك مجال للمناورة للمغرب للعودة للالتزام بالمبادئ والاتفاقيات المعنية جزائريا، عمدت الجزائر لنسب هذه التصريحات، التي وصفتها بالخطيرة، لديبلوماسي مغربي (لتحميله وزر ارتكاب هذا الخطأ الديبلوماسي المرجعي) طالبة من المغرب توضيح حقيقة الموقف الرسمي المغربي من خرجة الديبلوماسي المعني.
ولفهم ماهية هذه المبادئ والاتفاقيات التي اعتبرتها الجزائر تتعارض مع موقف المغرب من القبايل أمام منظمة عدم الانحياز، يتعين اولا تحديد ماهية الفعل الذي قام به المغرب ضد الجزائر والفائدة من وسياقه الوطني والإقليمي والدولي.

من المعلوم ان الموقف المغربي يسجل لصالح القبايل التي تطالب بحقها في تقرير مصيرها، كشعب بهوية امازيغية له خصوصيته الأمازيغية بين باقي اقطار تامازغا بما فيها الجزائر، والتي لم تنفي عليها القبايل في يوم من الايام امازيغيتها، بل تؤكد على تمييزها التاريخي والجغرفي، في نطاقها الجغرافي، على باقي مناطق الجزائر (الازواد الطوارق، مزاب الشاوية والاوراس).

ومن المعلوم أيضا أن النظام العسكري الجزائري غارق في الاديولوجية العربية الإسلامية العسكرية، مثله في ذلك مثل النظام المخزني المغربي باحزابه من أقصى يمينها لأقصى يسارها وحركاته الاسلامية، الغارقة هي الأخرى في اديولوجية القومية العربية والمغرب العربي والأمة العربية واديولوجية الإسلام السني السلفي والصوفية العربية.

وبالنظر لموقف المغرب المعروف اقليميا ودوليا بكونه دولة عربية، الذي يساند من خلاله الجمهورية القبايلية التي تعتبر نفسها امازيغية ومحتلة من طرف الجزائر المعروفة اقليميا ودوليا بكونها دولة عربية، الذي يعتبر موقف جديد في المنزقة ويخرج على المألوف، خاصة ان دولة الجزائر وان كانت تساند بدورها الجمهورية الصحراوية، فإنها تساندها من داخل نفس المنظومة الاديولوجية العربية، بحيث تعتبر البوليزاريو نفسها عربية ومحتلة من طرف دولة المغرب العربية.

بالتالي ومن خلال ما تقدم، يتضح بأن المقصود بما يتعارض مع المبادئ والاتفاقيات المعنية برد الجزائر، التي تؤطر المشترك بين المغرب والحزائر، والمشكلة للخطوط الحمراء التي يتعين للصراع المفتوح بينهما على مختلف الاحتمالات، لإستدامة تسلطها وتحكمهما، عدم تجاوزه مهما بلغ والمتمثلة عقيدة وعمليا في ما يلي:

  • الالتزام بترسيخ عروبة الجزائر والمغرب ومختلف دول شمال أفريقيا الكائنة أو المحتمل احداثها وانتماءها للأمة العربية، ومواجهة كل ما يعيق ذلك (الأمازيغية).
  • الالتزام بترسيخ المذهب السني القرشي العربي لدولة المغرب والجزائر وباقي دول شمال افريقيا الكائنة والمحتمل احداثها وضمان انتماءها للأمة الإسلامية.
  • الالتزام لمقتضيات الاتفاقيات المغربية الجزائرية وغيرها التي هما إطاف فيها مع باقي الدول ذات الأنظمة العربية، والتي تنص على عروبة المغرب والجزائر وشمال أفريقيا وانتماءها للأمة العربية والإسلامية ومواجهة كل ما يعيق ذلك (الأمازيغية).
  • الالتزام بمزيد من سياسة تعريب الإنسان والمحيط الابادية للامازيغية.
  • الالتزام باحترام مبدأ الوحدة الترابية للدول ذات الأنظمة العربية، والالتزام بعدم الدفاع على مبدأ تقرير المصير الذي تطالب به الحركات التحررية الأمازيغية في تامازغا.
  • عدم الالتزام باحترام مبدأ وحدة الدول الترابية، حد الدفاع على مبدأ تقرير المصير الذي تطالب به الحركات التحررية العروبية في المنطقة، كما تفعل الجزائر من خلال مساندة تقرير المصير الذي تطالب به البوليزاريو العربية منذ 1975، ضد المغرب، الذي ضل يحترم بدوره هذه المبادئ والاتفاقيات حتى الدورة الأخيرة لاجتماع وزراء الخارجية لمنظمة دول عدم الانحياز .

وسعيا من الجزائر، لدفع المغرب للتراجع على موقفه، عمل من خلال ما ختم به رده على:

  • اقتراح هامش المناورة للمغرب للاشتغال عليه من داخل ردها، والذي حددته في التضحية بالديبلوماسي هلال، من خلال تحميله وزر الخطأ الديبلوماسي، وعودة المغرب للالتزام بنفس المبادئ والاتفاقيات.
  • بعث الجزائر إشارة استغاثة، لباقي الأنظمة أزلام القومية العربية والسلفية العربية الاباديتين للامازيغية، للضغط على المغرب للتراجع عن موقفه، من خلال تضمينها التذكير بهذه المبادئ والاتفاقيات في ردها على المغرب.
  • تجييش اعلامها للترويج لامكانية دعم حق تقرير المصير في الريف، و إمكانية التصعيد العسكري، متناسية ان المغرب يملك بدوره ورقة الصحراء الازوادية جنوب الجزائر، وأن الوضع الداخلي الجزائري الضعيف والهش لا يسمح لها باي مغامرة عسكرية خاسرة بسبب أساسها الضعيف.

واذا كان الموقف المغربي يشكل لحضة مفصلية في تاريخ شمال أفريقيا في اتجاه مصالحتها مع هويتها الحقيقية، إن ألتزم به وفعله إقليميا ودوليا وامميا، فإن سؤال ماذا تغير ليقدم المغرب على هذه الخطوة التحررية الامازيغية يفرض نفسه، ومن أجل مقاربة الجواب، يتعين الاشارة لما يلي:

  • النظام السياسي المغربي ليس من ثوابته العروبة ولا السلفية العربية، بل اضطر لتبنيها، من جهة ليكيف نفسه مع ايديولوجية الحركات والأحزاب السياسية التي يتم حشد الجماهير بها لقلب الطاولة عليه، إما بالتورة العربية أو القومة الإسلامية أو الانقلابات المتحالفة معهما، ومن جهة اخرى باعتبارها مصدر الشرعية والمشروعية للحكم، كل ذلك لينافسهم فيها وبها أمام المواطنين.
  • مؤسسة المخزن الغير الدستورية التي تحالف معها النظام السياسي، من أجل ضبط الشارع بالجزرة والعصى، ضمانا للاستقرار والاستمرارية في ظل غياب عنصر الثقة في الفاعل السياسي الحالي وفي انتظار البديل الثقة. مؤسسة وفية لريعها و مصالحها الاقتصادية الصرفة ولشعارها الخالد “اللهم انصر من انتصر” مهما كان عربيا أو تركيا او سلفيا أو إسرائيليا أو ايرانيا او اسبانيا أو فرنسا أو غيرهم.
  • النظام السياسي المغربي تمكن من تدجين واضعاف معارضيه أصحاب القومية العربية والسلفية العربية، الحاملين لمشاريع حضارية وافدة، وفضح انتهازيتهم واسترزاقيتهم وعدم وطنيتهم وارتبازهم بقضايا الشعوب الاخرى عوض قضايا وطنهم، أمام المواطنين.
  • الموت السريري لفكر القومية العربية والفكر السلفي العربي في طريق للالتحاق بصنوه القومية العربية في معقلها، تاركا أيتام يتضرعون في محفل اللئام.
  • توريط أصحاب القومية العربية والسلفية العربية وطنيا في توطيد العلاقات مع الإمارات وإعادة العلاقات مع دولة إسرائيل وتبادل الزيارات بين وزراء ومسؤولي الدولتين وعقد اتفاقيات التعاون الاقتصادي والعلمي وغيره بينهما، منا يفضح ازدواحية مواقفه وخطابه، وبالتالي تقيتهم الغادرة.
  • الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الذي ضمن للمغرب الفيتو الدائم ضد كل ما قد يصدر ضد مغربية الصحراء من جمعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباقي مؤسساتها الأممية من جهة، وتلجيم الاتحاد الأوروبي وعلى راسه ألمانيا وفرنسا وإسبانيا في علاقته مع المغرب.
  • دعم اسرائيل لمغربية الصحراء والمغرب في المحافل الدولية وخصوصا من داخل اللوبيات العالمية المتحكمة في القرار الدولي.
  • انحسار الجزائر وعزلتها إقليميا وافريقيا وعربيا ودوليا، وانفضاح أمر اعتمادهم على البروباكاندا الكاذبة دوليا.
  • الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الضعيف والهش للجزائر، واستمرار الحراك الجزائري المطالب بالدولة المدنية في الشارع.
  • ارتفاع منسوب وعي الشعب الجزائري بمغربية الصحراء وبالاستعمال الافيوني لها ضده من طرف النظام العسكري، حد ترديد شعار الصحراء مغربية في مسيرات حراكه الشعبي.

وعليه، وفي ظل هذه المتغيرات، وتغول الأنظمة العربية امنيا وعسكريا وقضائيا في مختلف اقطار تامازغا، والاختلال الكبير لموازين القوى شعبيا لفائدة الاستلاب الهوياتي الابادي للذات، ألم يحن الوقت بعد للحركة الامازيغية ان تقوم بوقفة تامل مع الذات لتقييم تاكتيكاتها، لملاءمتها مع أهدافها وواقع الحال أعلاه، خاصة منها تكتيكات تنزيل المرجعياتها الفلسفية المؤسسة للحركة الامازيغية في نضالها من أجل الوصول للفدرالية الأمازيغية على كامل تراب تامازغا، والتي تتحدد أهمها في:

  • العمل على تجميع شعوب تامازغا في الفدرالية الامازيغية، مع ضرورة الرهان تكتيكيا على العمل القاعدي في مختلف اقطار تامازغا لتنمية منسوب الوعي فيها وصولا لمواجهة الأنظمة العربية فيها التي تقتات ايجابيا من تغييب الديموقراطية وتعميق تشتيت المشتت، وذلك عوض الرهان فقط على تحقيق الديموقراطية اولا في دول اقطار تامازغا.
  • الرفض القاطع شعبيا للحروب بين الأشقاء في اقطار تامازغا.
  • تشجيع حركات التحرر الأمازيغية في المناطق المؤهلة لذلك (الطوارق الازواد في نزاقهم الجغرافي في الساحل وجنوب الصحراء، والقبايل) عوض رفض مطالبتهم بحقهم في تقرير مصيرهن، مادامت شروطه متوفرة باعتبار دولها الحاضنة إنتاج تركيبي استعماري محض، ولأنه لا ينازع طالبه باقي مناطق تامازغا في امازيغيتها.
  • تشجيع الانتماء للدولة الوطنية القطرية داخل الحدود الاستعمارية مرحليا، في افق العودة للحدود التاريخية للاقطار الأمازيغية الأصلية (موريتانيا، نوميدبا، أفريقيا/قرطاج، ليبيا، نواكشوط، اكناري، الطوارق الازواد، في افق تحقيق الفدرالية الامازبغية.
  • اعتبار جميع مواطني تامازغا، امازيغ بلسانهم الأمازيغي أو الدارجي أو هما معا، بدون تمييز أو إقصاء بسبب الدين أو العرق أو اللون أو النسب أو المكانة أو الإعاقة، ومن نازع من المواطنين في امازيغيته هوياتيا أو عرقيا فبيننا التحاليل الجينية، وإن اثبت عكس امازيغيته جينيا كوافد، فهو محكوم بالاندماج في هوية مضيفه، له نفس حقوقه وعليه نفس واجباته.

خلاصة القول، لا يصح الا الصحيح، ومصير المركب على المقاس هو التفتيت وإعادة التجميع، وفي انتظار مزيد من الاعتراف الدولي بالقبايل، خاصة منه الاعتراف الفرنسي المرتقب وغيره، فإننا نؤكد بان زمن حركات التحرر الأمازيغية في تامازغا قد حان.


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments