حتوس : لا أعتقد بأن التخوين يهدد الحركة الأمازيغية أو أنه سيدمرها


حوار مع الأستاذ عبد الله حتوس  الباحث والناشط الأمازيغي بشأن مستجدات الساحة الأمازيغية:

 في حوار له يوم أمس الاثنين، أكد الأستاذ أحمد عصيد على أن التخوين يدمر الحركة الأمازيغية، هل تتفقون مع الأستاذ عصيد في ذلك؟

أعتقد أن التخوين وثقافة التخوين ليسا حكرا على الحركة الأمازيغية، فالتخوين شائع في السجال السياسي المغربي وعنصر وازن في ثقافتنا السياسية. فالتخوين يُفَعل كلما ظهرت داخل تنظيم ما مجموعات منسجمة تحمل أفكارا ومشاريع قد تجعلها متميزة عن باقي مكونات التنظيم، كما يلتجأ إليه بهدف الاغتيال السياسي والرمزي للخصوم.

فالتخوين واحدة من الروافع التي يستند عليها النظام الانقسامي بالمغرب، فالتوتر والعداء وفي صلبهما التخوين، من بين خصائص المجتمع السياسي المغربي. وقد تطرق جون واتربوري إلى هذا الأمر في كتاب “أمير المؤمنين: الملكية والنخبة السياسية بالمغرب” وخصوصا في الفصل التاسع الذي خصصه لانقسام النخبة الوطنية.

لذلك أعتقد بأنه لا يجب التوقف كثيرا عند خطابات التخوين، فهي في سياقنا المغربي وعلى عكس ما يقال، علامة من علامات الحياة والنشاط والندية والتنافس شريطة أن يتقيد الأطراف بما يجعل التخوين لا يفسد للود قضية. وفي العمل الأمازيغي ما يؤكد ذلك. لذلك لا أعتقد بأن التخوين يهدد الحركة الأمازيغية أو أنه سيدمرها.

هل تقصد بأن التخوين كان ثابتا من ثوابت العمل الأمازيغي؟

ليس الأمازيغي فقط كما أشرت سلفا، بل ثابتا من ثوابت الثقافة السياسية بالمغرب. سأعطيك مثالين دالين لنقترب أكثر من واقع الأمور:

  1. النخبة الأمازيغية التي انخرطت في دينامية خطاب أجدير والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تم تخوينها طيلة العشرية الأولى من هذا القرن، بل كان تخوينها جزء من استراتيجية عمل بعض الجمعيات الأمازيغية، التي أسست استراتيجيتها على التمييز بين الحركة الديمقراطية الأمازيغية والحركة المخزنية الأمازيغية. غير أن ذلك لم يمنع الجمعيات المسماة “ديمقراطية” من اعتبار ثمرات ونتائج عمل “إيركام” مكاسب أمازيغية يجب الدفاع عنها وبكل قوة.
  2. التخوين أصاب أيضا هذه الجمعيات المسماة “ديمقراطية”، فقد ظهرت داخلها في السنوات الأخيرة تصدعات دفعت رفاق الأمس إلى توظيف التخوين لحسم المعارك الفكرية والتنظيمية بينهم في زمن قياسي. ونفس الشيء يمكن قوله عن كل التصدعات التي عرفتها مكونات الحركة الأمازيغية، فأينما وصل الإختلاف مستويات يصعب معها الوصول إلى تفاهمات ترضي الجميع وهذا صعب بل مستحيل، يدخل التخوين على الخط.

يمكن القول إذن بأنه لم يسلم فاعل أمازيغي واحد من حاملي المشاريع الجديدة أو الخارجة عن المألوف من رماح التخوين، سواء تعلق الأمر بمشاريع سياسية أو جمعوية. لذلك أعتقد بأننا في حاجة إلى سوسيولوجيا التخوين للإحاطة بهذه الظاهرة، وهذه دعوة للباحثين للاشتغال على الحركة الأمازيغية من مداخل التخوين أيضا، كثابت من ثوابت العمل الأمازيغي.

إذن بالنسبة لك، أستاذ حتوس، ما يكتب هنا وهناك عن تخوين نشطاء الحركة الأمازيغية الملتحقين بالتجمع الوطني للأحرار أمر عادي جدا ولا يستحق الاهتمام؟

من حيث أنه عادي فهو كذلك، لكنه يستحق الاهتمام في حدود مضمون خطابات التخوين ذات الصلة. فبتحليل بعض خطابات التخوين تلك ومستوى التفاعل ونوعية المتفاعلين سلبا أو إيجابا معها، في الفضاء الافتراضي، يمكن الوقوف على جانب من اتجاهات الرأي العام الأمازيغي.

والتخوين بطبيعة الحال لن يتوقف عند الملتحقين بالتجمع الوطني للأحرار، فيوم تحسم باقي مكونات جبهة العمل السياسي الأمازيغي وجهتها، سواء اختارت الإلتحاق بالحركة الشعبية أو حزب الأصالة والمعاصرة أو تشتت شمل مكوناتها، ستشتغل ماكينة التخوين في هذا الإتجاه أو ذاك حسب مصالح الأفراد والمجموعات. كما أن هناك من سيُخَونُ كل الرافضين للعمل السياسي من داخل الأحزاب القائمة، وذلك باتهامهم بخدمة أجندة سياسية معادية للأمازيغية تسعى لعزل نشطاء الحركة الأمازيغية عن العمل الحزبي والمؤسساتي حتى يُفرَغَ ترسيم الأمازيغية من أي مضمون يذكر…إلى ما هناك من تهم الخيانة. فالتخوين لا منطق ولا حدود له.

ما هي قراءتك لما صدر عن الأستاذ نبيل بنعبد الله من انتقاد شديد لالتحاق نشطاء من الحركة الأمازيغية بحزب الأحرار؟

أن ينتقد الأستاذ نبيل بن عبد الله التحاق نشطاء من الحركة الأمازيغية بالتجمع الوطني للأحرار أو غيره من الأحزاب، أمر عادي ومفهوم فهو يندرج في إطار معارك المواقع بين الأحزاب السياسية تحسبا للانتخابات المقبلة، حيث يكون كل حزب في حاجة إلى توظيف رساميله المادية والرمزية، والقضية الأمازيغية رأسمال رمزي بالنسبة لبعض الأحزاب وضمنها حزب التقدم والاشتراكية. ما لا أفهمه شخصيا هو المبررات التي فسر بها السيد بن عبد الله موقفه.

ما الذي لا يعجبك في مبرراته؟  

الأمر لا يتعلق بالإعجاب أو ما شابه، ما في الأمر هو أنني أستغرب للغة الخشب التي استعملها الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية لتبرير موقفه. حينما يقول بأنه يناقش سياسيا ولا يناقش المواقع السياسية، فهو يريد إقناع المهتمين بالشأن السياسي بأن المواقع السياسية ليست من السياسة في شيء، وفي مسعاه ذاك الكثير من احتقار ذكاء المغاربة. هو يعرف بأن السياسة إذا لم يكن الهدف منها الحكم أو المشاركة في الحكم أو التأثير على القرار السياسي فهي لا تصلح لشيء. وهذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا عبر المواقع السياسية.

حرص الأستاذ بن عبد الله، أيضا، على القول بأنه يستبعد التحاق الحركة الأمازيغية بأي حزب سياسي، يحتمل وجهان: إما أن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية لا يفقه شيئا في الحركة الأمازيغية وهذا ما استبعده، أو أن في الأمر إمعان في تمييع عمل نشطاء الحركة الأمازيغية الراغبين في الإلتحاق بالعمل الحزبي بناء على تفاهمات، وهذا الأمر (أي التمييع) لا يليق بشخص الأستاذ بن عبد الله الذي سبق وأن اشتغلنا معه سنة 2011 على ملف الترسيم.

كيف كان اشتغالكم مع حزب التقدم والاشتراكية؟

اعتمدنا في المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، الذي تشرفت برئاسته منذ تأسيسه سنة 2009، منهج العمل التكاملي مع الأحزاب والجمعيات، في إطار تظافر جهود كل المدافعين عن الحقوق الأمازيغية. فقد ساهمنا في إنجاح اللقاءات التي تدعونا إليها الأحزاب الحليفة للحركة الأمازيغية، وأقصد بها الحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية.

العمل مع حزب التقدم والاشتراكية كان تجربة غنية بالدروس، خصوصا وأن المكلفين بالملف الأمازيغي داخل الحزب مناضلون في الحركة الأمازيغية أيضا. فقد وقعنا مع حزب التقدم والاشتراكية، إلى جانب جمعيات أمازيغية أخرى، بيانا مشتركا بشأن مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية (تم التوقيع على البيان المشترك يوم الأربعاء 2 يونيو 2011) وتم تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أجرأة ترسيم الأمازيغية.

قلت تجربة غنية بالدروس لأنني تشرفت بعضوية تلك اللجنة إلى جانب كل من أحمد عصيد، الحسين الشعبي، محمد صلو وعبد الصادق بومدين. وقد كان الاشتغال مع أمازيغ التقدم والاشتراكية على قدر كبير من الأهمية.

لذلك حينما أقارن تجربتي مع أولئك المناضلين مع مضمون التصريح الأخير للأستاذ نبيل بن عبد الله، أجد التصريح بعيدا عن روح ومضمون ما تم بناؤه سنة 2011.

في خضم الحديث عن موضوع التحاق بعض نشطاء الحركة الأمازيغية ببعض الأحزاب، صرحت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي لأحد المواقع الإخبارية بما يلي: تابعنا تحركات حزب التجمع الوطني للأحرار وما قام به في هذا الإتجاه في الآونة الأخيرة، وكذا نعلم محاولة بعض الأيادي الخفية الى تقسيم الحركة الامازيغية بالمغرب، ومحاولة جرها الى مطبات خطيرة على بلادنا وعلى استقراره ووحدته المغربية. ما تعليقكم؟

الخطير في هذا التصريح، هو إصرار السيدة نبيلة منيب على ربط الحركة الأمازيغية بالمطبات الخطيرة على بلادنا وعلى استقراره ووحدته المغربية، فالأمازيغية بالنسبة للأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد هي مرادفة للانفصال وتقسيم المغرب.

اسألوها عما تشاؤون بشأن الأمازيغية، اسألوها عن حرف الكتابة واللغة الموحدة والقناة الثامنة، ستجيبكم بأن المغرب مهدد في وحدته وستخرج من جيبها خارطة مزعومة للمغرب بعد أن يتم تقسيمه بسبب الأمازيغية. لقد سبق لها الحديث، سنة 2016، وبدون خجل، عن تقسيم المغرب إلى أربع جهات أو دويلات وربطت ذلك بالنزعة الأمازيغية. حصل ذلك في إحدى الندوات بمرتيل وأعادت الكَرةَ غير ما مرة.

لذلك لا مصداقية لما تقوله السيدة نبيلة منيب، طالما هي مسكونة بكل هذا الحقد على الأمازيغية والحركة الأمازيغية.

سؤال أخير، أستاذ حتوس، هل تتفقون مع من يقول بأن قلة قليلة من نشطاء الحركة الأمازيغية ستلتحق بالأحزاب؟ إن كان الأمر كذلك، ما حاجة الأحزاب بتلك الأقلية؟

من السابق لأوانه القول بأن الأمر يتعلق بأقلية قليلة، وقد يكون الأمر كذلك، لكن الأهم في الأمر هو الحدث في حد ذاته، لا يمكن فهم هذه الدينامية اعتمادا فقط على الأرقام والإحصائيات.

حتى ولو كانوا أقلية، سيشكلون ما سماه   ريمون أرون (Raymond Aron) بالأقلية الإستراتيجية، حيث أن هذه الأقلية بإمكانها إن نجحت في قضم المساحات الإستراتيجية داخل أحزابها، أن تغير الكثير من الأمور، وأن يشجع ما ستنتزعه من مكاسب لفائدة الأمازيغية، الكثير من النشطاء والمتعاطفين مع القضية الأمازيغية على الإلتحاق بالأحزاب الحليفة وذات المصداقية.انشر

AzulPress


0 Commentaires
Inline Feedbacks
View all comments